الثلاثاء، 9 يناير 2018

السعادة الحقيقية

(السعادة الحقيقية)

الحمدلله، وصلاة وسلاما على عبده ومصطفاه، ونبيه ومجتباه، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يا رب صل على الحبيب وآله ** والصحب طرا أجمعين تواليا
أيها الإخوة في الله:
أعيروني آذانكم قليلا؛ فلن أطيل عليكم.
نقف الليلة المباركة - بإذن الله تعالى - لنتحدث عن حقيقة في الوجود كبرى.
هذه الحقيقة يختلف الناس في النظر إليها، والبحث عنها.
طالما ضلت البشرية في السعي وراء تحقيقها.
  فمنهم من يراها في معاقرة الفجور، وشرب الدخان والشيشة والخمور.
ومنهم من يراها في متابعة الممثلين والممثلات، والاستماع للمغنين والمغنيات، ومشاهدة المباريات.
ومنهم من يراها في تشييد الدور والعمارات، وتحصيل الأراضي والعقارات، وركوب السيارات الفارهات.
ومنهم من يراها في المال والجاه  والسلطة والملك.
ومنهم من يراها في المتع الشخصية والذاتية والجنسية.
ومنهم من يراها في إنجاب البنين والبنات.
ومنهم ومنهم...، ولكن جميع هؤلاء أخطؤوا طريق هذه الحقيقة، وركضوا خلف سراب بقيعة "يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب". النور.
إن السعادة الحقيقية - يا عباد الله - ليست في هذه الماديات والمحسوسات؛ لأن الله يقول - وهو أصدق القائلين -: (كل من عليها فان...). الرحمن.
فالملوك، وحاشية الملوك، الوزراء، الأمراء، الكبراء، الوجهاء، الأغنياء، الفقراء، الأشراف، الوضعاء، الأحرار، العبيد، الرجال، النساء، الملائكة، الأنبياء، الأولياء، الصالحون، الطالحون، الجن، الإنس، الجماد، النبات، الأولون، الآخرون، الكل يفنى، والله يبقى.
فالسعادة الحقيقية هي في الاستمساك بشرع الله تعالى، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على منهاج خير القرون؛ الذين عناهم الرسول  الكريم - عليه أفضل صلاة وأتم تسليم - بقوله: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...).
السعادة الحقيقية: هي أن تشهد شهادة اليقين بأن لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله رب العالمين.
وأن تشهد أن محمدا عبده ورسوله الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين.
وأن تقيم الصلاة بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها؛ إقامة تورثك الخشية من الله، والكف عن محارم الله.
وأن تؤتي الزكاة، وتعطف على الأرامل واليتامى والمساكين، وتؤتيهم مما آتاك الله بلا من ولا أذى؛ فالفضل فضل الله، والمال مال الله.
وأن تصوم رمضان، وأن تحج بيت الله الحرام.
هذه هي السعادة الحقيقية.
السعادة الحقيقية:
يوم أن تحقق معنى العبودية لله؛ فتكون عبدا لله على الحقيقة والواقع، تسلم له كما أمر، تطيعه فيما تأتي وتذر.
السعادة  الحقيقية:
هي في دعاء آسية زوج فرعون: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة). التحريم.
السعادة الحقيقية:
هي في ذلك اليوم، يوم يقال لأهل الجنة: (يا أهل الجنة خلود فلا موت).
ففي الجنة:
لا مرض، لا هم، لا غم، لا وصب، لا تعب، لا نصب، لا كدر؛ بل هم في نعيم سرمدي أبدي، لا يزول ولا يحول ولا يفنى.
وأعظم نعيم يدركه أهل الجنة:
رؤية وجه الله العلي الأعلى - سبحانه وبحمده -.
(وجوه يومئذ ناضرة) أي: من النضرة والشروق (إلى ربها ناظرة). القيامة.
وقال ربنا: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون). المطففين.
أي: الكفار يحجبون عن رؤية وجه الله عز وجل؛ فدل ذلك على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة.
جعلنا الله - وإياكم - ممن يمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
السعادة الحقيقية - يا عباد الله - هي في قول الله: (ادخلوها بسلام آمنين). الحجر.
وقوله: (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين). الزمر.
وقوله: (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز...). آل عمران.
فالسعادة الحقيقية - إذن - ليست في المال ولا في الجاه ولا في الملك؛ لأن ذلك كله يزول:
لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ** من سره زمن ساءته أزمان
** ** ** **
أين الملوك ذوو التيجان من يمن ** وأين منهم أكاليل وتيجان؟!!!
وأين ما شاده شداد في إرم ** وأين ما ساسه في الفرس ساسان؟!!
أتى على الكل أمر لا مرد له ** حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا!!!
وصار ما كان من ملك ومن ملك ** كما حكى عن خيال الطيف وسنان!
وأصدق من هذا قول رب العزة والجلال: (وتلك الأيام نداولها بين الناس...). آل عمران.
فمن كان اليوم غنيا؛ تراه غدا فقيرا.
من كان اليوم عزيزا؛ تراه غدا ذليلا.
من كان اليوم كريما؛ تراه غدا مهانا.
من كان اليوم منتصرا؛ تراه غدا منكسرا.
من كان اليوم قويا؛ تراه غدا ضعيفا.
أما في يوم القيامة؛ فالناس فريقان لا ثالث لهما؛ قال ربنا: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد* وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ). هود.
(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). المطففين.
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين* والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون* أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين). آل عمران.
السعادة الحقيقية: هي أن تكون من حزب الله وأوليائه المتقين (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون). الحشر.

بقلم/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
الثلاثاء ١٤٣٩/٤/٢٢.

ألقيتها ارتجالا في جامع (هالة بنت خويلد رضي الله عنها) بالشيبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق