الأحد، 14 يناير 2018

وإن تعجب فعجب ١

(وإن تعجب فعجب ١)

الحمدلله، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ومصطفاه، ونبيه ومجتباه؛ محمد بن عبدالله؛ خير خلق الله، وأكرمهم على الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإنني أسطر ها هنا - بين يديك أيها المبارك - جملا؛ أرجو بها أعالي الجنان نزلا؛ فأقول - مستعينا بالله العلي العظيم، مستعيذا به من الشيطان الرجيم -:
إننا في زمان ترى فيه العجب العجاب، والغريب من الرجال والنساء، والأفكار والعقائد، والسياسات والأنظمة والقوانين والتشريعات...؛ مما دعاني لأسجل طرفا من الخواطر بهذا الصدد...
العجيبة الأولى: رغم وجود القرآن الكريم المطهر بين أيدي كثير من المسلمين، ووجود السنة الغراء، والمحجة البيضاء، ووجود العلماء العاملين، والدعاة المخلصين، وانتشار الكتب والأشرطة والرسائل الدعوية، ووسائل الإعلام ذات المحتوى القيمي الهادف للارتقاء بالمسلم - روحيا ودينيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا الخ -؛ إلا أنك ترى كثيرا من المسلمين في حالة من الضعف يرثى لها؛ إي وربي!
السؤال ها هنا لماذا يكون هذا، ووسائل الهدى والخير والعلم والصلاح متوفرة؟
والجواب في هذه الجمل:
١- ضعف الإيمان واليقين والتوكل على الله رب العالمين في كثير من الأحوال، وعدد من الشؤون والمقامات!
٢- قوة الإقبال على الدنيا، والتهافت على حطامها الزائل الفاني، والانخداع ببهرجها وزخرفها وسرابها، والرضا بمتاعها القليل الوضيع الحقير؛ بل والاقتتال عليها، والتنافس في جمع أموالها، وتحصيل كنوزها؛ يقابل ذلك - بالضرورة والإلزام - الإدبار عن الآخرة - دار القرار، والنعيم المقيم، السرمدي الأبدي -، والرضا عنها بالأولى، وكأننا خلقنا للدنيا، وكأننا يجب أن نعيش؛ لنأكل، والحق أن الدنيا خلقت لنا، ونحن يجب أن نأكل؛ لنعيش، لا نعيش لنأكل، فكيف لعاقل - عرف المصير المحتوم - أن يشتغل بما خلق له - وهي الدنيا - عما خلق من أجله - وهي عبادته وحده دونما شريك سواه -؟!!! إن هذا لعجب عجاب!
٣- تنوع المثيرات الضارة وكثرتها - من إعلام مرئي ومسموع ومكتوب -؛ مما جر كثيرا من المسلمين إلى أفكار ضالة منحرفة، وشبه مقلقة مميتة، وأوحال من الضلالة والجهالة والغواية؛ جر على كثير من المسلمين الويلات والمصائب في أديانهم وعقائدهم؛ فوقعوا في شراك أمراض الشبهات والشهوات، مع استيلاء الهوى وغلبته، ووسوسة الشيطان ونزغته، والنفس الأمارة بالسوء، وقرين التزيين بالباطل.
٤- نشاط أهل الشر والفساد والإفساد - من العلمانيين والليبراليين، والمسمى القرءاني لهم: المنافقون، وكذلك أرباب التكفير والتفجير، والإرهاب والتدمير؛ أعني بهم: الخوارج، أو من تلطخ فكره بفكرهم، ومعتقده بمعتقدهم، ومنهجه بمنهجهم -؛ فأوقعوا بالمسلمين ما أنزل بساحتهم الشر والشرر، والفساد والضرر؛ فصبغوا المجتمع الإسلامي الصالح بصبغات المجتمع الغربي الطالح؛ بدعوى "التغريب"؛ لنصل إلى ما وصلوا إليه؛ زعموا، فنشروا الفساد الأخلاقي والقيمي؛ بل والفكري والعقدي بين أوساط المسلمين - عن طريق صحفهم ومجلاتهم وتلفزاتهم ونشراتهم الإذاعية -؛ فأذاعوا حقوق المرأة، وطالبوا بتمكينها مع الرجل، جنبا إلى جنب؛ فتقود السيارة، ولها الحرية في خروجها في أي وقت متى شاءت، من ليل أو نهار، ومع من شاءت، مع أبرار أم فجار، عبيد أم أحرار، وتبيع وتشتري، وتختلط ولو من غير ضرورة بالرجال الأجانب في الأسواق والشوارع والتجمعات، ولها أن تذهب للمدرجات؛ لتشارك الرجال في التشجيع للرجال، والتصفير والتصفيق ورمي العقال، كاشفة لوجها ولما شاءت من جسدها، متعطرة متجملة مترجلة، وهذا الذي يدعون إليه "تغريب المجتمعات المسلمة" هو في الحقيقة ليس تغريبا؛ بل إفساد وتخريب؛ فلم يأخذوا من الغرب صناعة السيارات والطائرات والمدرعات، لم يستفيدوا منه فيما يعود على أمة الإسلام بالعزة والنصر والكرامة؛ بل على النقيض من ذلكم؛ أخذوا منه سفور المرأة وخروجها واختلاطها ومشاركتها للرجل سواء بسواء؛ هدما للدين، ولبنيان الأخلاق الشامخ، ونحرا للعفة والطهر والشرف والفضيلة، ونشرا للعهر والفسق والمجون والطرب والانحلال والرذيلة؛ إشاعة للفاحشة في المؤمنين (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون). النور.
ففي هذا تهديد ووعيد لمتبعي الشهوات، ومخربي المجتمعات بدعوى التغريب: إن الله يعلم خططكم في إضعاف عبادي المؤمنين، ولن يمكن لكم أبدا على الدوام، فالأيام دول بين الناس، ولن يمكن إلا الصالح، هذا وعد الرب - جل جلاله - (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) الشرط (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) الحج. قليلا ولا كثيرا، صغيرا ولا كبيرا، عظيما ولا حقيرا.
فمتى حققت الأمة شروط النصر؛ حصل الاستخلاف والتمكين والأمن والظفر : وهي الإيمان بالله، وعمل الصالحات، وعبادة الله وحده لا شريك له من إله. وبدون تحقق الشرط؛ ينتفي المشروط؛ فاعتبروا يا أولوا الأبصار والنهى والألباب، لا يأتين الإسلام أحد من قبلكم؛ فتهلكوا؛ بل كونوا حصنا حصينا، وسدا مكينا أمام كل داعية إلى الفسق والفجور، والتعري والخنا والزنا وشرب الخمور، كل داعية إلى النساء والغناء والمنكر والفحشاء.
وإنه بمقابل نشاط أهل الشر والفساد والإفساد، والتدمير والتكفير والتفجير، وجلد الفجار، تجد أن أهل الخير والحق والهدى والصلاح مغلوب على أمرهم، فإعلامهم ضعيف، ودعم مواردهم شحيح، ومن يقف معهم قليل، وحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم!
٥- ضعف العمل بكتاب الله، والاستمساك بشرعته، واتباع سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين المهديين من بعده، والقرون المفضلة، والسلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -.
القرآن بين أيديهم ما يزال غضا طريا، آياته تتلى، وأحكامه توعى،  وتجد من يتجه للشعر الفاحش، ويعكف على إنشاء قنوات مخصصة له، تصرف عليها الملايين، ويجلب لها العاملين، وتقام المسابقات الشعرية، وتحيا النعرات القبلية، وتغذى التعصبات الجاهلية...!!!
وإن تعجب فعجب:
ضعف الإيمان بالله العلي العظيم؛ فبدت آثاره في عدم أخذ الكتاب بقوة، والأخذ بالعزيمة، حتى في صفوف من يعتلون المنابر، ويحبرون الدفاتر، ويقيمون الدروس العلمية، والمحاضرات الوعظية؛ فترى من قراء القرآن من هو حليق، مسبل لإزاره، مصاحب لكل ناعق وفاجر، ضعيف الولاء والبراء في الله؛ فهو يدعو إلى شخصه الكريم، لا إلى الله العظيم!
وإن تعجب فعجب:
إذا سمعت أن هناك من يحاول إرضاء الناس ولو على حساب ترك شيء من المبادئ القرآنية والسنية!
الشهرة محرقة، والبعض يراها منة ومنقبة! إن هذا لعجب عجاب!
دخل ممن يقال عنهم دعاة إلى الإعلام، وانفتحوا على الناس؛ ففتنوا في دينهم؛ فنزلوا إلى مستواهم، ووالله إن العامي خير من حال هؤلاء؛ فإنما يستكثرون بعلمهم هذا حجج الله عليهم فيما يصنعون!!!
فدخل الغرور عليهم، ونصبوا أنفسهم للفتيا، وتكلموا حينما وجب أن يلجموا، وتصدروا حينما وجب أن يعرفوا قدر أنفسهم، ولا يتقدموا على الأحق منهم في العلم والدعوة والدين!
دخلت كذلك الأفكار الهدامة على المجتمع المسلم - من علمانية وليبرالية وحداثة وشيوعية وإلحادية وخارجية وإرجائية وصوفية غالية -؛ مما أدى إلى ضعف الإقبال على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - خاصة مع سكوت ومداهنة كثير ممن ذكرنا لبعض هذه الفرق والأحزاب والجماعات والطوائف!-.
٦- الدعم السياسي والتمكين الإعلامي لأرباب الحرام والإجرام من بعض الأنظمة المتصلة والمتأثرة بالغرب الكافر الفاجر فيما يصدر من ثقافات وأفكار.
وكان يجب على هؤلاء الحكام ن يكونوا مسلمين أعزة بدينهم؛ فلا يخنعوا لكافر، ولا يركعوا لغير الله القاهر، القادر على كل شيء؛ فلا ينفذون خططه، ولا يحققون مشروعه الإفسادي في المجتمع المسلم.

حرره/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
السبت ١٤٣٩/٤/٢٦.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق