الأربعاء، 25 أكتوبر 2023

قيد الخاطر- (من حكم وقوع المصائب)

قيد الخاطر- (من حكم وقوع المصائب).

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي. 
طبرجل- الأربعاء- ١٤٤٥/٤/١٠
Abdurrahmanalaufi@gmail.com 

من حكم وقوع المصائب - ونحن نرى ما يقع في غزة العزة من حصار وتقتيل للنساء والأطفال والشيوخ والمدنيين - ما يلي:
رفعة الدرجات، وحط السيئات، وظهور الإيمان واتخاذ الشهداء، وتمحيص المؤمنين، ومحق الكافرين، وظهور الجهاد والصبر، وتوحيد الكلمة والرأي والعواطف والمشاعر، وجمع الصفوف، وإعداد العدة.
ولابن القيم - رحمه الله تعالى - كلام قيم بهذا الصدد - وهو حكمة وقوع الشر وتسليط الأعداء-.
قال - عليه رحمة الله-: "قوله: «وأيّ حكمة في تسليط أعدائه على أوليائه يسومونهم سوء العذاب؟»
فكم لله في ذلك من حِكَم باهرة:
منها: حصول محبوبه من عبودية الصبر والجهاد وتحمّل الأذى فيه، والرضا عنه في السراء والضراء، والثبات على عبوديته، وطاعته مع قوة المعارِض وغلبته وشوكته، وتمحيص أوليائه من أحكام البشرية ودواعي الطباع ببذل نفوسهم له، وأذى أعدائه لهم، وتميّز الصادق من الكاذب، ومَن يريد الله ويعبده على جميع الحالات ممن يعبده على حرف، ولتحصل لهم مرتبة الشهادة التي هي من أعلى المراتب، ولا شيء أبرّ عند الحبيب من بذل محبة نفسه في مرضاته، ومجاهدة عدوّه.
فلله كم في هذا التسليط من نعمة ورحمة وحكمة.
وإذا شئت أن تعلم ذلك فتأمل الآيات من أواخر آل عمران من قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} إلى قوله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إلى قوله: {كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 137 - 179]، فكان هذا التمييز من بعض حِكَم ذلك التسليط.
ولولا ذلك التسليط لم تظهر فضيلة الصبر والعفو والحلم وكظم الغيظ.
ولا حلاوة النصر والظفر والقهر؛ فإن الأشياء يَظهر حُسْنُها بأضدادها، ولولا ذلك التسليط لم يستوجب الأعداء المَحْق والإهانة والكَبْت.
فاستخرج ذلك التسليط من القوة إلى الفعل ما عند أوليائه؛ فاستحقوا كرامتهم عليه، وما عند أعدائه؛ فاستحقوا عقوبتهم عليه، فكان هذا التسليط مما أظهر حكمته وعزته ورحمته ونعمته في الفريقين، وهو العزيز الحكيم". انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (2/ 333 - 334).
وبين - رحمة الله عليه - في فصل مستقل بعنوان: (إنكاره سبحانه على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا لحكمة) أن الخلق خلق جميعه لحكم وغايات، منها:
معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله  وآياته. 
وأن يحب أن يعبد ويشكر ويطاع ويذكر.
وكذا ظهور آثار أسمائه وصفاته. انظر: شفاء العليل ١٣٨/٢.
 فكيف يرحم أو يعذب، أو يعز أو يذل، أو يثيب أو يعاقب دون وقوع أسباب كل ذلك؟
فمن أسمائه الرحيم، ومن صفاته الرحمة، ولها أسباب، ومن أسبابها مثلا: بغي العدو على أوليائه، فإذا انتقم لأوليائه ورحمهم، فهذا من آثار أسمائه وصفاته، أعني: الرحيم، وشديد العقاب مثلا. 
وقال - عليه رحمة الله  -:
"فلا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة، والكافر يحصل على اللذة والسرور ابتداء، ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة. السابق، ٢٧٠/٢.
وقال:
"فالآلام والمشاق إما إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها، وإما لتولدها عن لذات ونعم يولدها عنها أمر لازم لتلك اللذات. السابق، ٢٨٣/٢.
وقال - رحمه الله -:
"وكثيرا ما تكون الآلام أسبابا لصحة، لولا تلك الآلام لفاتت، وهذا شأن أكثر أمراض الأبدان". السابق، ٢٨٤/٢.
وقال - أيضا -:
"ولما كانت الآلام كالأدوية للأرواح والأبدان، كانت كمالا للحيوان، خصوصا لنوع الإنسان، فإن فاطره وبارئه إنما أمرضه ليشفيه، وإنما ابتلاه ليعافيه، وإنما أماته، ليحييه". السابق، ٢٨٧/٢.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق