الخميس، 22 مايو 2025

قيد الخاطر- (أعظم النعم على العبد المؤمن)

قيد الخاطر- (أعظم النعم على العبد المؤمن)

أحيانا يخيل إلي أن العالم فوق رأسي، مهموم مهموم للغاية، ثم ما يلبث وميض الفكر حتى يشعل بداخلي جذوة الضمير، فإذا بنفسي تبصر، وبعقلي يفكر، أمامي نعم كنت لا أبصرها؛ لغفلتي وجهلي، وظلمي ونسياني، نعمة الستر والمعافاة، نعم الأمن والسلام الداخلي، نعمة البر والصلة والإحسان، نعمة القرب من الأهل والتودد للأهل والإخوان، نعمة التفكير، نعمة التعقل والهدوء والرزانة، وأعظم النعم: سلامة دينك، ونجاة عرضك، وحسن السمعة، وطيب العشرة، ووفور العقل، وشيء من العاطفة ترقق بها ما يبدو من جراح في مجرى الحياة الواسع، تخيط بها الآلام، وتهون بها على مكلوم ما يجده من لوعة، وما ينكؤه من حسرة، وما يدميه من فراق، أو ما يشكوه من غدر أو طعنة في الظهر لم يحسب لها أي حساب!
ومنطق الزبدة وقانون الخلاصة يقول لك: فكر ثم فكر ثم فكر في ما يحيط بك من نعم، فكر ثم فكر ثم فكر في الحلول، الكل يجيد الدندنة حول المشكلات، لكن الرجل الحقيقي - في نظري القاصر على الأقل - هو من يجيد الحلول رغم كل المعوقات، لأنه رجل فعلا، ليس بذكر، أو ليس برجيجيل، مع علمي بكون الواقع في غالبه لا يقول ذلك، فغالب الناس - إلا ما رحم ربك - رضخوا للواقع تحت سطوة المادية، فأضحوا شكائين بكائين متململين، لا يجيدون غير طرح المشكلات، فأي فرق بينهم وبين ربات الحجال؟! سؤال مفتوح للجميع، أو بالأحرى لمن يفكر ويتبصر، عفوا، لا أنتظر منك همسا بالإجابة، الواقع ينتظر منك أكثر من مجرد إجابة على سؤال مفتوح، لا أقول قم وصارع واقع، أو صادم مجتمعك، لا، لا أجرؤ على القول بذلك، لكن العقل له رأي آخر، وتوجيه آخر، يقول العقل في لحظة صفاء، وود وهناء، حين تتجلى الحقيقة لطالبيها: أنت أيها الإنسان ما تساوي بدون العقل والشرع شيئا أبدا، والعقل والشرع يضمنان لك العيش الهني، والبال المرتاح، والنفس الراضية، والقلب المطمئن إذا سلكت مهيع العقلاء، وسبيل الصالحين الشرفاء، ولم تك مع الغثاء في جانب السفهاء وركن البلهاء، الذين ارتضوا لأنفسهم عيش الشهوات، وضعف النفوس، وانتكاس الفطر، وذهاب العقول، فلم تصعد بهم هممهم إلى مصاف من هم أفضل من الملائكة بدرجات، بل سفلوا وذابوا في مستنقع الماديات بلا حياء حتى هووا في سحيق الدركات، فلا دين حصلوا، ولا دنيا نالوا، فخسرا خسرا، وقبحا قبحا لقوم تلك صفاتهم "وكنا نخوض مع الخائضين"، هذا من صفات الكفار المكذبين بيوم الدين، ولا يعني ذلك أبدا بحال قصرها على أولئك، فمن كان من المسلمين شبيها بالمكذبين بيوم الدين في صفة من صفاتهم، فيناله من الوصف بحسبه، ومن الجزاء بموقعه "ولا يظلم ربك أحدا".
والخلاصة: ما أجمل العاطفة والعقل والشرع بالرجل المؤمن القوي، صاحب الدنيا، وصاحب الدين.

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
طبرجل- الجمعة- ١٤٤٦/١١/٢٥.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق