الثلاثاء، 4 مارس 2025

قيد الخاطر- (بشر، ليسوا من البشر)

قيد الخاطر- (بشر، ليسوا من البشر)

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
طبرجل، الأربعاء، ١٤٤٦/٩/٥.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com 

يتملكني شعور غريب، عجيب، مريب، أيعقل أن نجد في هذا الوجود أشخاصا بلا أرواح، بلا عقول، بلا تزكية، بلا طهارة، بلا نقاء، يحشرون شخوصهم في حظيرة الإنسان، فيتحسسون، يستشعرون، وكأن غيرهم - ولو كان أقرب قريب - ليس من ضمن "الإنسانية"، فلا يحس، ولا يشعر، كأنه منحوت من صخر، لا مكون من قلب ولحم ودم، وعقل وأحاسيس ومشاعر!
قبحا لفكرة متخلفة غبية مظلمة كهذه، ولأهلها، إنهم عبء على الإنسانية، إنهم من أهم مصادر القلق والاكتئاب، إنهم مجرد أصوات نشاز، كم أحمل في صدري عليهم، كم أتألم حين يعود لخاطري صدى منهاجهم المتخلف في النظرة للإنسان والكون والحياة!
أيعقل أن نعيش بين بشر ليسوا بشرا على الحقيقة إن فتشتهم، فعلا شخوص لا أرواح، لا عقول!
جرب أن تخطئ، أن تنحرف عن المسار السائد، أن تكفر بالتبعية، أن تؤمن بالمواهب، أن تبدع، وتأمل ردود الفعل، وإن وقعت في مصيبة أو مشكلة، فانظر من يقف معك، يساندك، يلطف الجو، يعزز اليقين، أجزم وأقسم قل أن تجد من المئة رجلا، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي، وجرب، تجد.
وقبل الختام:
ومع ذلك أكن لهم الود والاحترام، لا يا كرام، ليس هذا من قبيل التناقض، ولكن لكثرة ما تحملت من صدمات، وما عشت من حياة بائسة، تالفة، أصبحت معتادا نوعا ما على الإهانة، التجاهل، التهميش، تحطيم المعنوية، ضرب النفسية، حتى استقليت بقدر ما، اعتزلت على نحو ما، حتى فكرت كثيرا كثيرا، وكتبت كثيرا كثيرا، شعرا ونثرا، وكذا الخواطر، فكنت ممتنا لأولئك، إنهم وقود التقدم وإن كانوا حقا وقود التخلف والرجعية! نعم، ليس هذا من العبث بالألفاظ، بل حقيقة، وكم من المصائب ما يزيل المعايب، ويبدلها حسنات، وصدق الشاعر:
مصائب قوم عند قوم فوائدُ!
استمتعوا، أشعلوا شمعة، أسعدوا نفسا، بثوا الأمل في النفس، واليقين في الأرواح، فكثير أولئك الأشخاص الذين يصدرون فيتامينات القلق والاضطراب، نعوذ بالله من قربانهم، ونبرأ إلى الله من منهاجهم، فكم هدموا من فضيلة، وكم عززوا من يأس، وكم نشروا من إحباط!
حقيقة وصلت إليها متأخرا بعد تجارب مرة، وأحداث عسرة: لا تأمل يا أخي في الناس كثيرا، لا تطمح أن تنال منهم شيئا، فهم السراب على الحق والحقيقة، وليتك تسلم، يجيدون الثرثرة، الطعن في الظهر، إخماد المواهب، نشر الإحباط واليأس، وإذا عثرت، لا يرحمون، قلت لك من قبل: إن أكثر من تراه من البشر ليسوا في الحقيقة من البشر، وليسوا من الحيوان، إنهم شخوص بلا أرواح، عقول بلا تزكية، وقل أن تجد فيهم العاقل!
إنني لست يائسا ولا بائسا، ولكن من هول الصدمات أصبحت لا أثق في أحد، عرفت الآن أن الأكثر عباد المصالح، وأن الأكثر ليسوا عقلاء، وليسوا أصحاب تزكية، إنهم فقط يظهرون عند السقطة، ليشمتوا، وعند الرفعة، ليطلبوا!
ألا ساء صنيعهم، وبؤسا لمنهاجهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق