بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي.
طبرجل- السبت- ١٤٤٥/٧/٨.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com
تناقشت مع أحد أساتذتي في الاجتهاد وما إليه، وها أنا ذا أنقل طرفا مما يتعلق بهذا الصدد:
قال ابن النجار الحنبلي في "شرح الكوكب المنير"، ٥٥٧/٤، ٥٦١:
"فَصْلٌ
"لا يُفْتِي إلاَّ مُجْتَهِدٌ". عِنْدَ أَكْثَرِ الأَصْحَابِ، وَمَعْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِقَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَيْضًا: يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ، وَالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَنِ.
وَقَالَ أَيْضًا: لا يَجُوزُ الاخْتِيَارُ إلاَّ لِعَالِمٍ بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ.
...ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ: "لا يَكُونُ فَقِيهًا حَتَّى يَحْفَظَ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ" وَحَمَلَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالاحْتِيَاطِ.
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ "الأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا، أَوْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ".
وقال الغزالي في "المستصفى، ٣٤٢ وما بعدها، بتصرف" عن تعريف الاجتهاد:
"وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ"
وذكر شرطين للاجتهاد:
أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِمَدَارِكِ الشَّرْعِ، وأن يكون عدلا مجتنبا للمعاصي.
إلى أن قال:
"وَالْمَدَارِكُ الْمُثْمِرَةُ لِلْأَحْكَامِ كَمَا فَصَّلْنَاهَا أَرْبَعَةٌ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْعَقْلُ".
وقال بأنه لا يجب معرفة جميع ما في الكتاب، بل يكفي ما تتعلق به الأحكام، وهو قدر خمس مئة آية، ولا يشترط حفظها عن ظهر قلب، بل أن يكون عالما بمواضعها.
والسنة كذلك، فيعرف الأحاديث التي تتعلق بالأحكام، ولا يلزمه حفظها بَلْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَصْلٌ مُصَحَّحٌ لِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ، كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ لِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ، أَوْ أَصْلٌ وَقَعَتْ الْعِنَايَةُ فِيهِ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ.
إلى أن قال:
" أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فَعِلْمُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، أَعْنِي الْقَدْرَ الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ خِطَابُ الْعَرَبِ وَعَادَتُهُمْ فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَى حَدٍّ يُمَيِّزُ بَيْنَ صَرِيحِ الْكَلَامِ وَظَاهِرِهِ وَمُجْمَلِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَعَامِّهِ وَخَاصِّهِ وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَمُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ وَنَصِّهِ وَفَحْوَاهُ وَلَحْنِهِ وَمَفْهُومِهِ.
وَالتَّخْفِيفُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ دَرَجَةَ الْخَلِيلِ وَالْمُبَرِّدِ وَأَنْ يَعْرِفَ جَمِيعَ اللُّغَةِ وَيَتَعَمَّقَ فِي النَّحْوِ، بَلْ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَسْتَوْلِي بِهِ عَلَى مَوَاقِعِ الْخِطَابِ وَدَرْكِ حَقَائِقِ الْمَقَاصِدِ مِنْهُ".
وذكر كذلك الناسخ والمنسوخ.
وفيما يخص السنة قال:
"مَعْرِفَةُ الرِّوَايَةِ وَتَمْيِيزُ الصَّحِيحِ مِنْهَا عَنْ الْفَاسِدِ وَالْمَقْبُولِ عَنْ الْمَرْدُود".
إلى أن قال:
"وَمُعْظَمُ ذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ فُنُونٍ:
عِلْمُ الْحَدِيثِ وَعِلْمُ اللُّغَةِ وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ.
فَأَمَّا الْكَلَامُ وَتَفَارِيعُ الْفِقْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا".
إلى أن قال:
"إنَّمَا يَحْصُلُ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا بِمُمَارَسَتِهِ، فَهُوَ طَرِيقُ تَحْصِيلِ الدُّرْبَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ الْآنَ سُلُوكُ طَرِيقِ الصَّحَابَةِ أَيضا".
وبين بأن تلك الشروط في المجتهد المطلق، وأن الاجتهاد يتجزأ، ولا يشترط الإجابة على كل سؤال أو استفتاء.
-------------------------
المراجع:
١- (شرح الكوكب المنير، تحقيق/ محمد الزحيلي ونزيه حماد، نشر/ مكتبة العبيكان، ط ٢، ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ مـ).
٢- (المستصفى للغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، نشر/ دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٣هـ - ١٩٩٣م).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق