(إضاءات منهجية لطالب العلوم الشرعية)
الحمدلله، وصلاة وسلاما على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه إضاءات منهجية لطالب العلوم الشرعية؛ كتبتها على عجالة، راجيا من الله حسن النوال، وسلامة المقصد؛ فأقول - مستعينا بالله، مستلهما منه العون والرشاد -:
١- الإخلاص بركة الأعمال، ولا ثمرة للعمل بدون الإخلاص؛ فليتعاهد المسلم - وطالب العلم خاصة - قلبه ألا تتزاحم عليه المرادات الباطلة - من حب شهرة، ومنصب، وجاه، ومال، وتكثير أتباع...-؛ ليملأ قلبه بمحبة ربه، والتعظيم والإجلال له؛ ليكن في خلوته وباطنه خيرا من جلوته وظاهره؛ ليحرص - ما أمكنه - على أن تكون له خبايا صالحة مع الله؛ ليتعاهد صلاح قلبه دائما وأبدا؛ ليجدد إسلامه في كل آن وحين.
٢- المجاهدة في سبيل طلب العلم، والحرص على نيله بأيسر السبل الموصلة إليه، وعدم تضييع الأوقات فيما لا طائل من ورائه؛ بل يصبر طالب العلم، ويرابط في حلق الذكر، ويسعى - جاهدا؛ ما استطاع إلى ذلك سبيلا - على عدم الانشغال بغير العلم؛ فيتعلم ويعلم؛ لينال الخيرية المذكورة في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
٣- معرفة المقصود من العلم - وهو العمل -؛ يهون كثيرا على طالب العلم؛ فإنه إذا عرف ذلك؛ بورك له في علمه، ووفق وسدد، وهذا لعمر الله هو المطلوب لكل مؤمن عاقل حصيف، عارف بالله حقا.
٤- سؤال أهل العلم والاسترشاد بتوجيهاتهم، ولقد أنزل القرءان الكريم على قلب أمين من في الأرض - صلى الله عليه وسلم - بواسطة أمين من في السماء - جبريل عليه السلام -؛ فلذلك من طريقة السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم - أخذ العلم عن الأشياخ؛ فيتخذ طالب العلم شيخا له؛ يلازمه أينما حل وارتحل؛ ليفك له المغاليق، ويحل له الإشكالات؛ وليأخذ من سمته وهديه ودله؛ ليتأثر بأخلاقه وسلوكه؛ فالأفعال أبلغ من الأقوال، وهذا لعمر الله من أهم المهمات (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه...). الكهف.
وقال تعالى: (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا). الكهف.
فحري بطالب العلم أن يتخذ له شيخا صالحا على معتقد أهل السنة والجماعة، وأن يصبر نفسه مع الصلحاء، وأن لا يلتفت لزخرف الحياة الدنيا؛ فما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون؛ فينآى بنفسه عن مجتمع الباطل إلى مجتمع الحق، وعن مجتمع الجهل إلى مجتمع العلم، وعن مجتمع الظلام إلى مجتمع النور، ولا يكن من الغافلين، ولا يخوض مع الخائضين؛ فإنه قد هيء لأمر عظيم، فالأمة تؤمل فيه الآمال
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له ** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
٥- ليعلم طالب العلم أن العلم ليس بالاستكثار؛ بل العلم ما نفع، والتكرار من أنجع الوسائل في تثبيت العلم وضبطه؛ فيحرص - حرصا بالغا - على تكرار العلم، وإدامة النظر فيه، وألا يشتت ذهنه بالتنقل بين الكتب؛ فإن ذلك أدعى لضياع العلم، فتكرار الكتاب الواحد، ودراسته مرة بعد مرة؛ خير من التشتت والضياع بين الكتب؛ فلا تكن كمن أراد بناء قصر؛ فهدم مصرا، أو ينطبق عليك المثل القائل: (لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى!!!).
فالعلم بالتكرار لا بالاستكثار، والزيادة في العلم تكون بأمور، من أهمها:
صفاء النفس، وسمو الروح، واتقاد الذهن، وحضور البديهة، وحسن السمت، وكثرة الصمت، وقول الحق ولو على نفسك، وطاعة الله، واتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتأسي به في كل صغيرة وكبيرة، دقيقة وجليلة، وعكوف القلب على محبة الرب والخوف منه والرجاء والطمع فيما عنده...، والعزلة أحيانا، والانقطاع والتبتل، وانكسار النفس وتذللها لخالقها، والإلحاح على الله في الدعاء، وأداء الفرائض، والمحافظة على النوافل، وصلة الرحم، وحب المساكين، والرحمة بالضعفاء، والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والصدقة، وملازمة العلم والعلماء، وإدامة النظر في الكتب، وكثرة المطالعة، وأن يتذكر طالب العلم أن (قليل منضبط؛ خير من كثير منفلت) وأن (خير العمل؛ أدومه وإن قل).
فيختار كتابا - يكون أصلا معتمدا - في كل فن - في العقيدة، والتفسير، والفقه، والحديث، وعلوم الآلة -؛ فمثلا مما ينصح به في العقيدة: التمهيد؛ شرح كتاب التوحيد؛ للمؤلف الشيخ/ صالح آل الشيخ، أو فتح المجيد، أو تيسير العزيز الحميد، وكذلك شرح العقيدة الواسطية؛ للرشيد.
وفي الحديث: زوائد عمدة الأحكام على بلوغ المرام، بشرح الشيخ/ عبدالله الفوزان.
وفي مصطلح الحديث: نزهة النظر؛ شرح نخبة الفكر؛ لابن حجر؛ مع تعليقات الألباني - رحمهما الله -.
وفي الفقه: ينصح بحاشية الروض؛ لا بن قاسم، أو منار السبيل؛ لابن ضويان، والأولى كبيرة، ومنار السبيل به ثلاثة آلاف دليل تقريبا غير الآثار، أو شرح عمدة الفقه؛ للشيخ/ عبدالله بن عبدالعزيز بن جبرين - رحمه الله -.
وألا يتوسع في علوم الآلة؛ فهي في العلم كالملح في الطعام، وأن تكون الكتب الكبيرة - التي هي مراجع للفن؛ كالمقارنة بين المذاهب الخ - مرجعا له عندما يريد فهم مسألة ما على وجه البسط والإطالة الخ.
بقلم/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
الجمعة ١٤٣٩/٤/٤
بعضها مستفاد من مقطع صوتي على قناة الشيخ/ وليد بن راشد السعيدان - حفظه الله ورعاه - على قناته على اليوتيوب؛ بعنوان: (بماذا تنصحون المبتدئ في فني التفسير والسيرة).