الاثنين، 25 ديسمبر 2017

خواطر حول قول تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم)

(خواطر حول قوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم")

(إن الله لا يغير ما بقوم) أي: من ذلة وهوان وصغار، وهزيمة وفشل، من حال سيئة (حتى يغيروا ما بأنفسهم) فيحسنوا فيما بينهم وبين خالقهم، ومربيهم، وسابغ نعمه عليهم، ودافع نقمه عنهم، ومبتليهم بالخير والشر، والسراء والضراء، فيخلصوا له العبادة وحده دون ما سواه، ولا يشركوا به شيئا، ويعلقوا قلوبهم به، ويتصلوا به - في كل أحوالهم وسائر شؤونهم وكافة تصرفاتهم -؛ ليجدؤوا الملجأ الآمن، والركن الشديد؛ الذي ما آوى إليه أحد؛ فخيبه؛ بل يرجع بالخير كله، والفوز كله، ويحصل السعادة من أيسر طريق؛ تلكم السعادة التي ضلت البشرية في البحث عنها؛ فشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؛ فحكموا القوانين والتشريعات الوضعية؛ التي لم تحقق للإنسان الرخاء، والمعيشة المرضية - كما يزعمون -؛ بل على النقيض من ذلك؛ حيث تطورت بعض تلك البلدان - الغربية أو الشرقية -؛ ولكن على حساب الروح، وما الإنسان بغير الروح بشيء؛ إنه جثة هامدة؛ فحصل الخواء الروحي في تلك المجتمعات؛ فكثرت فيهم مصادمة الفطر بما يقترفون من موبقات، وما يرتكبون من جرائم خلقية وضيعة دنيئة؛ تمجها العقول الراجحة، والأنفس الطاهرة الزكية - فضلا عن المتدينين أنفسهم -؛ فكثرت فيهم وقائع الانتحار، والاغتصاب، وفتكت بهم الأمراض المستعصية، وانترشت فيهم الأمراض النفسية، وتفككت الأسر، وتهدمت الأخلاق، فما المدنية والحضارة والتقدم والرقي بشيء في جانب خواء الإنسان الروحي!

وكذلك على المسلمين - إذا أرادوا أن يغير الله ما بهم - أن يصلحوا فيما بينهم وبين خلق الله - المسلم والكافر، البر والفاجر، حتى الحيوانات -؛ فإن الله استخلفنا في الأرض، وأنزل علينا الكتب، وأرسل إلينا الرسل؛ لنحقق العبودية له - جل وعلا - (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي: يوحدون (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) لماذا (إن الله هو الرزاق) المتكفل بالأرزاق، الذي قال: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين). هود.

يرزق - سبحانه - المؤمن والكافر، البر والفاجر، يرزق الحيوانات والبهائم، وعلى قدر العمل بالأسباب، والتوكل على رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وخالق خلقه من تراب؛ يكون الرزق!

ثم قال: (ذو القوة المتين) هو القوي الذي لا يغالبه أحد؛ فوجب - إن أردتم العز والفلاح والنصر - أن تلجؤوا إليه، وتعوذوا وتلوذوا به، وتستمسكوا بحبله المتين، وتسيروا على صراطه المستقيم، وألا تغتروا ببنيات الطريق، وألا تنخدعوا بما ليس لكم أن تنخدعوا به؛ تنخدعوا بالأكثرية الباطلة، ولا تسيروا خلف الأقلية الحقة؛ فإن الحق هو الحق، ولو كنت وحدك!

وليس شرطا أن يكون الحال دائما؛ فمن المحال بقاء الحال على ما هو عليه؛ فالله يقلب الأيام، ويداول بين الناس؛ ليختبرهم (وتلك الأيام نداولها بين الناس) لم؟ (وليعلم الله الذين آمنوا) على الحقيقة والواقع، وليس بالادعاءات الكاذبة، والأقوال الفارغة، فالإيمان قول وعمل واعتقاد، لا انفكاك عن هذه القسمة الثلاثية، وشواهد نصوص الوحين ناطقة بذلك.

ثم قال: (والله لا يحب الظالمين) لأنفسهم أو لغيرهم، ومن ظلم الإنسان لنفسه: ألا يقودها بكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ بل يكون إمعة؛ إن أحسن الناس أحسن، وإن أساؤوا أساء، فهو في واد سحيق من الجهالة والضلالة، لا يعتبر بقوله تعالى: (فما آمن معه إلا قليل). العنكبوت.
ولا بقوله: (وقليل ما هم). ص.
ولا بقوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
ولا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد) أي: في يوم القيامة، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.

فالاعتصام بالكتاب والسنة، والعض بالنواجذ على سنة الخلفاء الراشدين المهديين -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - واقتفاء أثر السلف الصالح، الذين قال فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...)؛ هو الكاشف للغمة، والمحقق للنصر، وبدون تطبيق منهج الله في الأرض؛ فإن الله يضرب على الأمة الذل والهوان، والفشل والهزيمة والنكال، حتى تسقط هيبة المسلمين في أعين أعدائهم؛ فتحتل بلادهم، وتحاز خيراتها، وتذل وتستعبد، وما ذلكم إلا لما لم يغير المسلمون من أنفسهم؛ فركنوا إلى الدنيا؛ جمعوا كنوزها، واغتروا بزخرفها، ولم يعلموا حقيقة ما هم فيه؛ فإننا في هذه الدنيا في ابتلاء عظيم، وما الدنيا في جنب الآخرة بشيء (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). الحديد.

فالفرار الفرار إلى دار القرار، السباق السباق إلى جنة عرضها السمات والأرض؛ أعدت للمتقين.

ثم قال ربنا: (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) لا أحد يقف أمام قوة الله وبطشه، وغضبه وانتقامه، وسخطه وعذابه؛ فالخالق - بلا أدنى ريب - أقدر من المخلوق، والمخلوق هو العاجز الضعيف، والإنسان ضعيف بنص الكتاب والسنة (وخلق الإنسان ضعيفا). النساء.

فعلينا منع عقاب الله أن يقع بنا، وسخطه أن يحل علينا؛ فنقوم بواجب النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم - كما صح في الحديث -، لنحقق الخيرية في قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...). آل عمران.
وفي قوله: (والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). العصر.

فعند ذلك يتحقق للأمة النصر والظفر، وتقف شامخة عزيزة، في حين أنها قبل ذلك تقف صاغرة مهانة ذليلة؛ لأنها عملت في كون الله بمراد الله، ولم تنخدع بحضارة الغرب الزائفة، وبريقها الآسر؛ لأنها تعلم أن قول الله - عز وجل -: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون). الروم. متحقق فيهم؛ نعم الغرب تقدم في مجالات عدة؛ فاخترع واكتشف، وطور وأبدع وأنتج، فنأخذ منه ما لا يتعارض مع ديننا وقيمنا الإسلامية؛ هذا ما يأمر به الإسلام، ولكن لن يتحقق لنا العز بدون الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفهم السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وألحقنا بهم في دار كرامته، ومستقر رضوانه ورحمته، آمين -.

وكتب/

أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
ظهر الاثنين ١٤٣٩/٤/٧.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق