الأحد، 24 مايو 2015

نقد الفكر المتطرف من منظور الكتاب والسنة

فيض الخاطر- (نقد الفكر المتطرف من منظور الكتاب والسنة).
                                                    

                                                     (بسم الله الرحمن الرحيم)
الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قيومُ السماوات والأرْضين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صادقُ الوعد الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله، والصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
                                                                                                          أما بعد


فإن ديننا الإسلامي من أعظم ما يميزه أنه جاء ميسرا في أحكام وسطية معتدلة، فلا إفراط ولا تفريط، كما قال ربنا في كتابه الكريم: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا...). البقرة: 143.

وإنه من أعظم خصائص هذا الدين الإسلامي الحنيف:

أولا: كونه خاتم الأديان، وأيسرها، وأشملها، ولقد رضيه الله لنا بإكماله، وأتم به علينا نعمه وآلاءه، قال الله ـ تعالى ـ : (...اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا...). المائدة: 3.

ثانيا: وسطيته ـ كما أسلفنا ـ. فدين الإسلام وسط بين الأديان، وأمة رسوله وسط بين الأمم، وهي خير الأمم قاطبة، كما جاء في قول الرب ـ تبارك وتعالى ـ : (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...). آل عمران: 110.

ثالثا: الرحمة المتحققة لمن التزم أحكامه، وسار على ضوئه. فدين الإسلام قائم على الرحمة والهداية، ولا ينافي هذا ما جاء في آيات كثيرة تحض رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ على مجاهدة الكافرين والمنافقين، والغلظة عليهم، وإقامة الحد على بعض أولئك، وكون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعى على بعض نفر من المشركين، فإن من نظر في تلك الأحوال؛ علم مناسبة ما صدر منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في تلك المواقف والظروف.

رابعا: السمو بالأرواح والجسوم معا. فدين الإسلام شامل لكافة نواحي الحياة، وهو صالح لكل زمان ومكان، ومن ذلك سموه بالروح الإنسانية إلى أعلى مراقي الفلاح والنجاح، والأخذ بها إلى المجد والعز والنجاة، وما من خير إلا دل عليه، وما من شر إلا حذر منه، وفلاح الدارين وسعادتهما مرتبط بالإسلام، ولا عز للبشرية بدونه؛ لأنه حياة الأرواح، فإذا كانت الأرواح حية؛ كانت الأجسام حية، وبدونه تهيم البشرية في الحيرة والشك، وتضطرب موازينها، ويختل نظامها، فالإسلام يكفل الحقوق، ويضمن الواجبات، ويسد الثغرات، ويحرم التطرف بجميع صوره وأشكاله؛ بل ويحارب أصحابه، ويدعو إلى الوسطية والاعتدال، وإعمال العقل فيما لا نص فيه، وفيه مجال لإعماله، ولا يعطله ـ كما يزعم  العقلانيون والرويبضة والمنافقون من بني جلدتنا ومن الشرق والغرب ـ فهو يعطي كل ذي حق حقه، ولا يجحف في العطية، ويدعو إلى إقامة العدل والقصاص، ويكرم من يستحق التكريم، ويعاقب من يستحق العقوبة، ويدعو إلى النظام والانضباط، ولا يعترف ـ بل ويحرم ـ الغوغائيات والمسيرات والمظاهرات؛ محافظة على مصالح المسلمين العامة، وهيبة لأعدائهم؛ فإنه متى كان المسلمون في اختلاف وتطاحن وتناحر؛ سهل على الأعداء اختراقهم، وتفكيك ما بينهم من ترابط وتآلف، وذلك الهوان المبين وربي! 

خامسا: أنه يدعو إلى حوار الآخر، ولا يسمح لأتباعه بالجهاد حتى يقيموا الدعوة، ويوضحوا الحجة، ويبينوا المحجة؛ بل إنه في آيات عديدة وأحاديث مستفيضة يضع لأتباعه منهجا متكاملا في مفاهيم الدعوة وركائزها الأصيلة ـ والتي منطلقها هداية الخلق، وقبل ذلك تعريفهم بالخالق عز وجل ـ.

تلك خمسة من خصائص هذا الدين الإسلامي الوسطي، وخصائص هذا الدين كثيرة عظيمة، مبثوثة في كتب السنة الشريفة، مسطرة في الذكر الحكيم، فما على المسلم إلا أن ينهل من معين الإسلام الصافي، وأن لا يرجع لفكره وعقله بدون الرجوع إلى الكتاب والسنة، وعلماء الدين والملة، الذين وصى الله بهم في قوله ـ عز من قائل حكيم ـ : (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). النحل.

فكل الأفكار والآراء نعرضها على الكتاب والسنة، فما وافق هذين الأصلين العظيمين؛ كان بها، وإلا؛ فلا.

فالكتاب والسنة مصدران أصليان من مصاد الإسلام العزيز، وهما دستوره العظيم، وقاعدته الجليلة.

وإننا ـ أهل السنة والجماعة ـ بهذا الصدد:

 ننوه بأن عقيدتنا الإسلام والتوحيد، ومنهجنا هو القرآن الكريم، وسنة النبي المصطفى الكريم ـ عليه أفضل صلاة وأتم تسليم ـ.

فما حدث في القطيف في قرية "القديح" بتاريخ 4/ 8/ 1436في يوم الجمعة المباركة من تعرض المجرمين للآمنين والمدنيين بالتفجير والتخريب، وقتلهم بلا جريرة ولا ذنب اقترفوه؛ لهو من صميم عقيدة الخوارج المارقين، الذين بأسهم على الإسلام وأهله شديد.

وإن الإسلام ـ كما ذكرنا قريبا ـ يكفل الحقوق، ويحرم الظلم، ويدعو إلى إقامة العدل، وإنه قد تبين لنا أن الخوارج ليسوا بأشد على الإسلام وأهله من الرافضة المشركين، الطاعنين بحملة الإسلام والسنة والدين، المبغضين أمهات المؤمنين، المكفرين للصحابة الغر الميامين، الذين يدعون إلى الحق وبه كانوا يعدلون!

فمنهجنا ـ أهل السنة والجماعة ـ قائم على العدل وحفظ الحقوق، مستمد من الكتاب والسنة، وإنه قد تقرر عندنا بخصوص هذا العمل الإجرامي ما يلي:

الأمر الأول: نؤكد على حرمة الدماء، وعظم قتل الأبرياء.

الأمر الثاني: لا نرضى بهذا الفعل الإجرامي، ولا يرضاه من في رأسه عقل، ومن له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.

الأمر الثالث: على أهل الحل والعقد أن يطرحوا تقريرات أهل السنة والجماعة في الإعلام والصحف، وأن يظهروا منهجهم ـ عبر الوسائل المختلفة ـ إلى كافة أصحاب الأديان والعقائد والطوائف؛ ليعلموا أننا نسير على ضوء كتاب الله، وسنة رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

الأمر الرابع: على قيادتنا السياسية الحكيمة، وقيادتنا الشرعية المظفرة أن يعلنوا موقف أهل السنة والجماعة من هذه الأعمال التخريبية، وأن يقفوا منها موقف الحزم والقوة والشجاعة.

الأمر الخامس: على من يسمون أنفسهم "الشيعة" النظر في مصلحة الأمة، وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة والشخصية، كما عليهم إعلان موقفهم من إيران، وما تقوم به في سوريا من خلال أذرعها الإرهابية "الحرس الجمهوري" وما يسمونه "حزب الله اللبناني" ونحن نعلم ـ علم اليقين ـ أنه ليس من حزب الله؛ بل من حزب الشيطان، وأنه ليس بلبناني؛ بل صفوي مجوسي، ونشاهد ما تقوم به تلك المليشيات من قتل وتقتيل، وإفساد وتخريب، وانتهاك أعراض المسلمين، في شام الكرامة والإباء، وعراق الرافدين والصمود، ويمن الحكمة والإيمان، والبحرين، وكذلك في الشرقية بالمملكة العربية السعودية ـ حرسها الله وكبت أعداءها في الداخل والخارج ـ.

 وإنه ـ بحمد الله تعالى ـ رغم صعوبة الموقف العالمي، وتخاذله مع الطواغيت المجرمين؛ إلا إن الله قيض لهذه الأمة رجالا لا يهابون الموت، ويطلبون الشهادة في سبيل إعزاز الدين الإسلامي، وإرشاد العباد إلى خالقهم وموجدهم ـ عز وجل ـ.

فإننا نرى ـ الآن ـ ما يجري في الشام المباركة، ويمن الحكمة من مبشرات بالنصر عظيمة، وروح راقية بالإسلام والجهاد، والإقبال على الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

كتبه: أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض بن تركي المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.الأحد 6/8/1436




الثلاثاء، 19 مايو 2015

نقد ظاهرة الفهم الخاطئ للتدين

فيض الخاطر- (نقد ظاهرة الفهم الخاطئ للتدين).

يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه الكريم: (اهدنا الصراط المستقيم). الفاتحة.

ويقول ـ تعالى ـ أيضا: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا...).فالتدين يعني: التمسك بالكتاب والسنة ابتداءا، ثم السير عليهما بمنهج السلف الصالح، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.وكلما كان الإنسان أكثر تمسكا بتوجيهات الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهرة، بما فيهما من أوامر وزواجر، وترغيب وترهيب، ووعد ووعيد، وإنذار وتبشير؛ كان أكثر تدينا، وأقرب لله فضلا وإحسانا، وأكرم عنده ممن دونه في العمل والإخلاص والنية، فليس للعبد منة على سيده؛ بل الفضل والمنة والإحسان لله وحده لا شريك له؛ لأنه بتوفيقه لعبده للطاعات، وبتفضله عليه بالنعم والخيرات، وبإيجاده من مبتدأ أمره وعدمه، وقبضه إليه في معاده؛ استحق ـ سبحانه ـ أن يكون العباد له عبادا ذليلين، طائعين، مخبتين، وفوق ذلك كله وعدهم ـ إن أحسنوا ـ الحسنى وزيادة، وهي الجنة، وزيادة في نعيمهم؛ تفضل ـ سبحانه ـ عليهم بكشف الحجاب عن وجهه الكريم؛ لينظروا إليه، وما في الجنة نعيم يوازي هذا النعيم، قال ربنا: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون). المطففين. أي: إن الفجار الكفار سيحجبون عن النظر إلى وجه الله الكريم، ومفهموم المخالفة: إن المؤمنين الأبرار سيمتعون بالنظر إلى وجهه ـ سبحانه وتعالى ـ. قال الله ـ عز وجل ـ : (وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ناظرة). القيامة.وأخبر ـ جل وعلا ـ أنه يجازيهم على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما يشاء ـ سبحانه ـ. وأنه لا يجازيهم على السيئة إلا بمثلها، قال الله ـ تعالى ـ : (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون). النمل.وقال أيضا: (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون). القصص.

ومعلوم أن مدار الأعمال على النيات، فلا يزكو العمل إذا كانت النية فاسدة، وصلاح الأعمال وفسادها مرتب على صلاح النية وفسادها، فبالنية تزكو الأعمال وتنمو، وبعدمها أو نقصها تذهب بركة الأعمال على حسب ما داخل النية من شوائب ومكدرات.

وإن نظر الناس في زماننا ـ خاصة ـ إلى مفهوم التدين والاستقامة؛ نظر قاصر، وفهم خاطئ منحرف؛ إذ إن أكثر عامة عصرنا قد فهموا التدين في المظهر واللباس، من توفير اللحية، وتقصير الثياب، وتقطيب الجبين، والغلظة في القول والعمل، والترفع على عباد الله المؤمنين، وازدراء المخالفين، والحط من قدر العاصين، وتزكية النفس، مع أن هذا لا يمت للدين الإسلامي الحنيفي السمح بصلة أبدا. فإن ديننا مبني على التيسير والسماحة، والرفق مع المخالف ـ مهما كان حاله ـ والتعامل مع كل بحسبه، واستخدام التلطف واللين في القول والعمل.

وإنه من الفهم الخاطئ للتدين:

النظر إلى المظاهر وإغفال المخابر، مع أن القلب هو الأساس، وعليه يدور صلاح العمل من فساده، قال الله ـ تبارك وتقدس ـ عن دعاء الخليل إبراهيم ـ عليه السلام ـ : (ولا تخزني يوم يبعثون* يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم). الشعراء.

فلا يجوز حجر التدين على الأعمال الظاهرة، فكل إنسان أطلق لحيته، وقصر ثوبه، وجعل مسواكا في جيبه؛ نجعله متدينا، ونصمه بالعالِم والقدوة!

إنه من الواجب عند النظر لمفهوم التدين عدة أمور:                                                                          

الأمر الأول: استصحاب كون التدين هو التمسك بالكتاب والسنة.

الأمر الثاني: عدم قصر التدين على الأعمال الظاهرة.

الأمر الثالث: التأكيد على أن القلب هو الأساس، وما الجوارح والأعضاء إلا جنود مجندة له.

الأمر الرابع: إنه لا يوجد قدوة مطلقة إطلاقا سوى الأنبياء ـ عليهم السلام ـ.

الأمر الخامس: نفي ما ليس له صلة بالدين عن التدين.

الأمر السادس: إن التدين هو التخلق بالأخلاق الفاضلة، والأعمال الحسنة، كأعمال البر، من الصدقة والصدق والوفاء بالعهد، وعدم الغدر والخيانة، وطيب الكلام، وطيب الطعام. وكل متدين على حسب استقائه ونهله من الشريعة؛ يكن له نصيب من وصف "التدين".

الأمر السابع: فصل الأعمال عن المنهج؛ إذ إن أعمال الأتباع ليست تمثل المنهج دائما، فالأعمال غير معصومة من الوقوع في الزلل، بينما المنهج حق من عند الله ـ تعالى ـ، فلا يجوز إلصاق ما شذ من الأعمال الصادرة من الأتباع بالمنهج الحق.                                                                                 

كتبه: عبدالرحمن بن مشعل المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
الثلاثاء 1/8/1436

السبت، 2 مايو 2015

افتتان الناس بالمظاهر

فيض الخاطر- (افتتان الناس بالمظاهر).

ينظر كثير من الناس إلى المظاهر، فيفتتن كثير منهم بها، وعند ذلك يضلون، فقد وقعوا في حبالة الشيطان الرجيم وشراكه، ووساوسه وأفخاخه، فانقادوا ذليلين له، وما فتئوا يستجيبون له!
افتتن عامة الناس ـ في عصرنا الحاضر خاصة ـ بالمظاهر، سواءٌ فيما يتعلق بالبنيان، ويشمل ذلك المساجد، فترى المبالغة في زخرفتها، وجعل النقوش على أسفل سقوفها، وأمام المصلين على جدرانها، وعن أيمانمم وعن شمائلهم!
وما كان هذا ـ أبدا ـ مقصد الشارع الحكيم؛ بل عمارتها بالتشييد والبناء جزء من مقصود الشرع الحنيف، كما قال الله في كتابه العظيم: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب). النور.وكما قال ـ تعالى ـ : (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين). التوبة: 18.أو بالأشخاص والصور، فالتفتوا إليها، وكانت شغلهم الشاغل، فعند ذلك فسدت القلوب ـ إلا ما رحم ربي ـ فأعرضت عن ذكر الله وعن الصلاة، ولم تخش الله، فوقعوا في العداوة والبغضاء، وارتكبوا الفاحشة الشنعاء، وأغضبوا رب الأرض والسماء، فصدق عليهم قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : (...ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة...). البقرة.واتبعوا خطوات الشيطان الرجيم، المبعد عن رحمة الله ـ جل وعلا ـ والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم). النور.مما ساقهم إلى الوقوع في أودية من الشبهات والشهوات، بتزيينها لهم، وأزهم أزا، فيندفعون لارتكاب المعاصي والآثام، وينخذلون عن الاستجابة لأوامر الملك العلام، وصدق عليهم قوله ـ سبحانه ـ في قرءانه: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون). الحشر. أي: الخارجون عن طاعتي، المتعدون حدودي، المخالفون أمري، المرتكبون نهيي، فبذلك نسوا أنفسهم، وأسلموها لأهوائهم والشيطان، وبذلك نسيتهم، فلم أوفقهم للخير، والشيطان يؤزهم لفعل الشر والمنكر أزا!!
وقوله: (...وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون). التوبة.وقوله: (...ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين). التوبة.وقوله: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا). مريم.وذلك جزاء وفاقا، فمن ذكر الله؛ ذكره الله، فأيده ونصره على أعدائه من الهوى ونفسه التي بين جنبيه، ومن شياطين الإنس والجن، ومن نسي الله، فأعرض عنه، وترك صلته به، واتبع هواه، وكان أمره فرطا؛ فذلك نسي الله، فأنساه الله نفسه، عقوبة منه ـ جل جلاله ـ لعباده؛ لكي لا يعبدوا الشيطان، ولا يشركوا في حبه ـ سبحانه ـ أحدا، فيقدمون مرضياته ـ جل وعلا ـ على مشتهيات أنفسهم، وعلى آبائهم وأبنائهم، وعلى أقاربهم وعشيرتهم، كما قال ربنا: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون). المجادلة.وقال ـ تعالى ـ : (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون). المجادلة: 19.وليس الحديث عن وجوب أو استحباب التبذل في اللباس، أو أن يكون الإنسان مهملا لمظهره، غير مبال به، مظهرا غير ما أنعم الله به عليه، قال الله ـ سبحانه ـ : (وأما بنعمة ربك فحدث). الضحى.وكذلك لا يحسن بالمسلم أن يتبختر في لباسه، أو يلبس ما زاد عن الحاجة، كما لا يجوز الإسراف والتبذير، فخير الأمور أواسطها، والتوازن مطلوب شرعا، وإنما الدين الوسطية، كما قال ربنا: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). الإسراء: 29.فيجدر بالمسلم أن يتعاهد شعره ولباسه، وأن يتخلق بأخلاق الله، وأن يقتفي أثر نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يحرص على نظافته، فإذا صلح باطنه؛ صلح ظاهره وجوبا؛ لأن القلب ملك الجوارح، وما الجوارح والأعضاء إلا جنود مجندة له، فبقدر ما يكون في الباطل من خلل أو قصور ـ من غل أو حسد أو حقد، أو غير ذلك من أمراض القلوب، سواء ما يتعلق بالشبهات، أو الشهوات ـ بقدر ما يظهر الخلل على الجوارح؛ لما قدمناه، فليعلم هذا وليعقل. والله الموفق وحده، وعليه نتكل في كل حال.
كتبه/ أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
1/5/1436 الجمعة.


الشام...جرح غائر...وغد زاهر

فيض الخاطر- (الشام...جرح غائر...وغد زاهر).

إنه من قدر الله في خلقه وما استودعه في كونه: الابتلاء بالخير والشر، والحق والباطل، والسراء والضراء؛ لحكم قد لا نعقل أكثرها أو جلها. وإن القلوب الإنسانية ـ فضلا عن المؤمنة ـ لتتقطع مما تراه في شام العزة والكرامة والإسلام؛ أسفا على عدم معونتهم بتخليصهم من براثن أهل الشك والزيغ والإلحاد. أما القلوب التي تبصر ما يجري لأمتنا المسلمة ـ من تسلط عليها من القريب والبعيد، والصديق والعدو ـ ولا تحزن؛ إنها لقلوب ران عليها ما اكتسبته من الذنوب والموبقات، وما اقترفته من الشهوات، والتكاسل عن الفرائض وأداء الصلوات؛ فإن الصلاة لها الأثر العظيم في تكوين شخصية المسلم الحق، الذي لا يُسلم إخوانه أبدا على المدى؛ بل يحسن إليهم بأنواع البر والإحسان، ولا يقابل إساءتهم له بإساءته لهم؛ بل يعفو ويصفح ويغفر، كما قال ربنا ـ تبارك وتعالى ـ في محكم كتابه، وجليل آياته: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...). النحل.

وإنها لقلوب أشربت الشبهات، وتطلعت إلى حب الدنيا، وافتتنت بزخارفها، فما زالت في هاوية سحيقة تتردى، حتى طبع الله عليها، وحرمها لذة نصرة أهل الإسلام؛ بل جعل للشيطان عليها مدخلا وسبيلا؛ لأنها رأت الحق ظاهرا بينا جليا، ولم تنصره؛ بل سعت في محاربة أهله المتمسكين بالسنة والجماعة، المناضلين عن حياض الإسلام، المدافعين عن اختراق سياج الفضيلة، الداعين إلى العزة والكرامة، فلم يردعها سلطان الله في كونه وخلقه، فقست، فم تزل في الغي تتردد، حتى شقت، وكانت من خذلان الله لها:

تكره أهل الإسلام، وما زال الأمر بها حتى كرهت وحاربت الإسلام ذاته، بمحاربة أهله الصادقين، الذين يتبعون المحكم، ويردون المتشابه إليه، فلا يبتغون الفتنة، ولا يبتغون التحريف؛ بل أسلمت أمرها لله العظيم ـ جل من إله ـ.

وأعني بهؤلاء:

أصحاب القلوب المريضة، والأنفس الرديئة الشريرة، التي تكتب في الصحافة ما يشيب له الولدان ـ من خرافات وخزعبلات وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان، ومن جرأة على الملك الديان، ومن محاربة شعائر الإسلام، والصد عن سبيل الله، والاستنقاص من رسول خير الأنام، محمد بن عبدالله ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

وتظهر في الإعلام المرئي، تتقيؤ ما ملئت به قلوبهم من الزيغ والنفاق والإلحاد، حربا على الله ورسوله والمصلحين، سلما لأعدائهم والمخربين ـ من العلمانيين والليبراليين ـ ؛ لتحارب سنن الإسلام، وأركانه ودعائمه العظام، فما زالت تدخل في شعب النفاق بجراءة ابن سلول إمامهم. أخزاهم الله دنيا وآخرة.

وإن جرحنا الغائر في بلاد الشام المباركة المسلمة الأبية حتما سيلتئم يوما ما، وستتعافى الشام ـ وإن طال ليل الظالمين ـ  فبزوغ النصر قريب، وإطلالة الفجر ستكون فجيعة لهؤلاء الكفرة النصيرية المجرمين، ومن عاونهم من الفرس المجوس ـ عباد النار ـ ومن الملاحدة الروس ـ الذين لا يؤمنون بآيات الله ـ ومن العالم الصامت على ما يرتكبه نظام النصيرية وطغمته ومرتزقته في حق هؤلاء المباركين المسالمين المدنيين في شامنا العزيزة المباركة من مجازر تفوق الوصف، وتعز عن الحصر، وستبقى في جبين الإنسانية ـ على مر الدهور ـ عارا وشنارا.

هذا؛ وإن أمم الكفر، وصناديد الباطل في حالة من اليأس والإحباط ـ لا يعلمها إلا الله ـ ولكنه ـ سبحانه ـ أعلمنا في قرءانه المجيد، حيث قال ـ جل قوله ـ : (وما يعلم جنود ربك إلا هو). المدثر. وأيضا: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار). الحشر: 2.

وما كان الذي كان؛ إلا بضعف أهل الإسلام، وانكبابهم على الدنيا، وتنكبهم عن الصراط المستقيم، والتشرذم الذي لحق بها، والضعف العام المخيِّم على مجتمع أهل الإسلام، وأفراده ودوله، وصدق الحق: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). محمد: 7. 

فمفهوم المخالفة: وإن تخذلوا الله يخذلكم، ويزعزع أقدامكم، فلا تثبتوا أبدا!

فالله أخذ على نفسه نصرة هذا الدين، وشرطه بنصرتنا له، فإن تحقق الشرط؛ تحقق الوعد، وإن تخلف الشرط؛ تخلف الوعد، قال الله ـ تعالى ـ : (...وكان حقا علينا نصر المؤمنين). الروم: 47.

كتبه/ أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض بن تركي بن راجح بن عويمر بن ربيعان المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
5/5/1436 الأربعاء