فيض الخاطر- (افتتان الناس بالمظاهر).
ينظر كثير من الناس إلى المظاهر، فيفتتن كثير منهم بها، وعند ذلك يضلون، فقد وقعوا في حبالة الشيطان الرجيم وشراكه، ووساوسه وأفخاخه، فانقادوا ذليلين له، وما فتئوا يستجيبون له!
افتتن عامة الناس ـ في عصرنا الحاضر خاصة ـ بالمظاهر، سواءٌ فيما يتعلق بالبنيان، ويشمل ذلك المساجد، فترى المبالغة في زخرفتها، وجعل النقوش على أسفل سقوفها، وأمام المصلين على جدرانها، وعن أيمانمم وعن شمائلهم!
وما كان هذا ـ أبدا ـ مقصد الشارع الحكيم؛ بل عمارتها بالتشييد والبناء جزء من مقصود الشرع الحنيف، كما قال الله في كتابه العظيم: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب). النور.وكما قال ـ تعالى ـ : (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين). التوبة: 18.أو بالأشخاص والصور، فالتفتوا إليها، وكانت شغلهم الشاغل، فعند ذلك فسدت القلوب ـ إلا ما رحم ربي ـ فأعرضت عن ذكر الله وعن الصلاة، ولم تخش الله، فوقعوا في العداوة والبغضاء، وارتكبوا الفاحشة الشنعاء، وأغضبوا رب الأرض والسماء، فصدق عليهم قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : (...ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة...). البقرة.واتبعوا خطوات الشيطان الرجيم، المبعد عن رحمة الله ـ جل وعلا ـ والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم). النور.مما ساقهم إلى الوقوع في أودية من الشبهات والشهوات، بتزيينها لهم، وأزهم أزا، فيندفعون لارتكاب المعاصي والآثام، وينخذلون عن الاستجابة لأوامر الملك العلام، وصدق عليهم قوله ـ سبحانه ـ في قرءانه: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون). الحشر. أي: الخارجون عن طاعتي، المتعدون حدودي، المخالفون أمري، المرتكبون نهيي، فبذلك نسوا أنفسهم، وأسلموها لأهوائهم والشيطان، وبذلك نسيتهم، فلم أوفقهم للخير، والشيطان يؤزهم لفعل الشر والمنكر أزا!!
وقوله: (...وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون). التوبة.وقوله: (...ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين). التوبة.وقوله: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا). مريم.وذلك جزاء وفاقا، فمن ذكر الله؛ ذكره الله، فأيده ونصره على أعدائه من الهوى ونفسه التي بين جنبيه، ومن شياطين الإنس والجن، ومن نسي الله، فأعرض عنه، وترك صلته به، واتبع هواه، وكان أمره فرطا؛ فذلك نسي الله، فأنساه الله نفسه، عقوبة منه ـ جل جلاله ـ لعباده؛ لكي لا يعبدوا الشيطان، ولا يشركوا في حبه ـ سبحانه ـ أحدا، فيقدمون مرضياته ـ جل وعلا ـ على مشتهيات أنفسهم، وعلى آبائهم وأبنائهم، وعلى أقاربهم وعشيرتهم، كما قال ربنا: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون). المجادلة.وقال ـ تعالى ـ : (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون). المجادلة: 19.وليس الحديث عن وجوب أو استحباب التبذل في اللباس، أو أن يكون الإنسان مهملا لمظهره، غير مبال به، مظهرا غير ما أنعم الله به عليه، قال الله ـ سبحانه ـ : (وأما بنعمة ربك فحدث). الضحى.وكذلك لا يحسن بالمسلم أن يتبختر في لباسه، أو يلبس ما زاد عن الحاجة، كما لا يجوز الإسراف والتبذير، فخير الأمور أواسطها، والتوازن مطلوب شرعا، وإنما الدين الوسطية، كما قال ربنا: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). الإسراء: 29.فيجدر بالمسلم أن يتعاهد شعره ولباسه، وأن يتخلق بأخلاق الله، وأن يقتفي أثر نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يحرص على نظافته، فإذا صلح باطنه؛ صلح ظاهره وجوبا؛ لأن القلب ملك الجوارح، وما الجوارح والأعضاء إلا جنود مجندة له، فبقدر ما يكون في الباطل من خلل أو قصور ـ من غل أو حسد أو حقد، أو غير ذلك من أمراض القلوب، سواء ما يتعلق بالشبهات، أو الشهوات ـ بقدر ما يظهر الخلل على الجوارح؛ لما قدمناه، فليعلم هذا وليعقل. والله الموفق وحده، وعليه نتكل في كل حال.
كتبه/ أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
1/5/1436 الجمعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق