الأحد، 21 يونيو 2020

أنا أدري بها!

(أنا أدري بها!)

كان في السبعين من عمره، رجل من أشداء الرجال ضخامة في الجسم - مع صحة وعافية -، مرضت أمه مرض الموت - وقد زرتها، وهي عمتي -، كان من عادته - لما كانت في العناية المركزة لا تحس بمن حولها - أن يزورها كل يوم؛ يراها ويمسح جسمها أو أطرافها.

وفي يوم من الأيام؛ فاتته صلاة العصر، فاستيقظ وذهب من فوره لأمه؛ قيل له في الأول: إنها لا تدري بك، ولا تحس بك؛ قال: أنا أدري بها!

يا لها من كلمة لمن عقلها!
يا لها من حكمة لمن أخذها!
يا له من رجل موفق صالح ما خذلها!

إنها طباع الإنسان، ومروءة الرجال، وأصل أخلاق  العرب، حتى في البهائم والوحوش؛ فيا سحقا ويا بعدا لمن كفر نعمة ربه عليه بعقوق أمه وأبيه!

ومن الأسف البالغ أن يكون البر مما يستغرب في هذا الزمان! 
كتب/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي.
المدينة- الحمراء- الأحد ١٤٤١/١٠/٢٩

السبت، 20 يونيو 2020

الفرق بين الإزار والثوب في تطبيق سنة التشمير أو الإرخاء

(الفرق بين الإزار والثوب في تطبيق سنة التشمير أو الإرخاء)

الحمدالله... وبعد:

فقد ذكر الشيخ العلامة/ بكر بن عبدالله بن زيد - رحمه الله - في رسالته الصغيرة حجما، الكبيرة معنى وعلما، وهي (حد الثوب والأزرة في تحريم الإسبال ولباس الشهرة) ما يتعلق بأحكام الإسبال في الإزار والثوب، وفرق بينهما، وذكر حدودهما، وما هي السنة في ذلك.

وأنقل لك - أيها المبارك - هنا فائدة من هذه الرسالة، ألا وهي:

أن الشيخ - رحمه الله - بين حد القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف الإزار من الساق، وهي ثلاث سنن عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

قال:

الحد الأول: إلى أنصاف الساقين.
والحد الثاني: إلى عضلة الساقين.
والحد الثالث: ما تحت نصف الساقين إلى الكعبين.

قال: هذا في الإزار، أما في الثوب أي: القميص فنصيبه منها السنة الثالثة، وهي من تحت نصف الساق إلى الكعبين، وهو مقرر في مذهب الحنابلة.

قال:  ولهذا فلا يسن تقصير الثوب إلى عضلة الساق، ولا إلى نصف الساق، وهذا بخلاف الإزار، إضافة إلى أن حسن الهيئة مطلب شرعي، فالإزار إلى عضلة الساق أو نصفه مع الرداء؛ لباس في غاية التناسب، وحسن اللبسة، وفي "الثوب" ليس كذلك، مع تأديته إلى كشف العورة.
والله - سبحانه - قد أمر بقدر زائد في الصلاة على ستر العورة؛ وهو أخذ الزينة، فقال سبحانه: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد).

قال: ولهذا - والله أعلم - فإن ألفاظ الروايات بجعل الإزار إلى عضلة الساقين أو إلى أنصاف الساقين؛ كلها بلفظ "الإزار"، ولم أقف على شيء منها بلفظ "الثوب"؛ فلنقف بالنص على لفظه ومورده، وأما فيما تحت نصف الساق؛ ففي بعض ألفاظها إطلاق، يشمل الإزار والثوب وغيرهما.

ونقل عن ابن عقيل - رحمه الله - : (لا ينبغي الخروج عن عادات الناس إلا في الحرام).

كتبه ملخصا/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي.
طيبة المطيبة- السبت ١٤٤١/١٠/٢٨.

الأربعاء، 10 يونيو 2020

عدم قبول النصيحة

(عدم قبول النصيحة)

الحمدلله، وأصلي وأسلم على خير الخلق محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد

كان بجانبي مصليا يقرأ بصوت خلف قراءة الإمام، ولما انقضت الصلاة، وهم بالقيام؛ وضعت يدي على فخذه، سلمت عليه، رأيت فيه سيما أهل الخير، فهو ذو لحية كثة بيضاء، وعمامته شبه مدارة على رأسه، وثوبه إلى أنصاف ساقيه، العجيب؛ لم يرد السلام، تلوت عليه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) يا عم: لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ؛ صدقوني؛ قام وتركني ولم يكلمني، وأظهر امتعاضه واستياءه!

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... كان رد فعل أثار استغرابي، التفت إليه خلفي وهو يغادر المسجد، تذكرت - عندها - رسول الله محمدا - صلوات ربي وسلامه عليه -... شجوا وجهه، رموا سلى الجزور على كتفيه الطاهرين وهو ساجد عند الكعبة وهم يقهقهون ويضحكون بصوت عال!

تذكرته - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يعرض دعوته على أخواله في الطائف؛ فيغرون به سفهاءهم؛ ليلحقوه، فيدموا قدميه بالحجارة، وكان أشد ما وجد؛ فعفى عنهم وصفح!

تذكرت مواقف السيرة العطرة لخير الأولين والآخرين، وكيف وقع البلاء عليه، فما كان منه إلا الصبر، والصبر العظيم! 

قلت: هو مؤيد بالوحي من السماء، هو أمين أهل الأرض، هو الصادق المصدق، ومع ذلك ابتلي ابتلاء عظيما، وأنا؟ من أنا؟! أفلست مسلما؟ أفليس قدوتي هو؟ إذن (فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمصيطر). الغاشية.

وكتب/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي. 
المدينة- الأربعاء ١٤٤١/١٠/١٨

الثلاثاء، 9 يونيو 2020

نمط المعيشة المستعار

(نمط المعيشة المستعار) 

الحمدلله...

طرح أحد الفضلاء - وهو أستاذ اللغة العربية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المصطفوية، ومن جماعتنا - تساؤلا خطيرا، قائلا:

ليت شعري، لماذا نمط معيشتنا اليوم أغلبه مستعار؟!
لباسنا، أكلنا، أعراسنا، تخطيط بيوتنا، هل أقول: لغتنا؟!

فقلت - جوابا على تساؤله -:

لفتح الردم بين الشرق والغرب، وللهزيمة النفسية تجاه حضارة الغرب المادية الزائفة، ولهيمنة كثير من وسائل الإعلام المتفسخة من أخلاق العروبة قبل أخلاق الإسلام، ولضعف دور المصلحين في النهضة بالأمة المحمدية من غياهب الجهل، وسرادب الذل والمهانة والتبعية لكل ناعق ومزمر ومطبل!

وبالله التوفيق والسداد.

سطرها/

أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي.
طيبة الطيبة- الأربعاء ١٤٤١/١٠/١٨

السبت، 6 يونيو 2020

وإن تعجب فعجب ١١

(وإن تعجب فعجب ١١)

الحمدلله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد

فإن من العجائب في زماننا هذا - وقد كثرت عجائب زماننا الأخير - ما يفعله البعض - أو لعله الكثير - من التصدق على الأبعدين، وترك الأقربين، أو على المتوفَين وترك الأحياء المحتاجين، وهذا - وربي - لهو من الخلل في المفاهيم، والتطفيف في الموازين!

 والعقل - قبل الشرع - يرشد إلى هذا؛ فالأقربون أولى بالمعروف والإحسان بكل صوره وأشكاله، وهو من أمارات إرادة الله بعبده خيرا؛ حيث يقيم ميزان الشرع ولو خالف هواه، وفي قصة مسطح وأبي بكر - رضي الله عنهما - عبرة للمعتبرين؛ حيث وقع مسطح في عائشة بقول الإفك، وكان فقيرا ينفق عليه الصديق؛ فقطع عنه النفقة؛ فنزلت الآية من السماء: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم).

وذلك أن الصديق - رضي الله عنه - حلف ألا ينفق على ابن خالته مسطح؛ فقال الله: (ولا يأتلِ) أي: لا يحلف؛ فقال: بلى، أحب أن يغفر الله لي؛ فأعاد النفقة عليه.

وفي الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به). رواه الطبراني: 750، وإسناده حسن، وصححه الألباني.
وفيه نفي كمال الإيمان عمن هذا حاله.

والعربي الأصيل طبعه الكرم والجود والبذل، وكان الرجل منهم يسود فيهم ببذله وكرمه، وربما افتقر، كما كان عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبو طالب سيدا في قومه وهو فقير، حتى انقلبت الموازين بأخرة في الناس؛ فصار الرجل يسود فيهم بجمعه وكنزه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وخبر حاتم الطائي في كرمه مشهور، حتى أنه مرة عقر فرسه لضيفه لما لم يجد في بيته شيئا!

وليس مطلوبا من العبد المسلم أن يهلك ماله بالنفقة والصدقة، ولا يحسن به كذلك؛ بل يقبح به أن يشح به عن إنفاقه في وجوه الخير والبر والإحسان، والمعروف والإصلاح بين الناس، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما). النساء.
وقال - جل ذكره - : (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). الإسراء.

ومن مداخل الشيطان على النفس - وقد حدث هذا معي - : أن يقذف في روعك لزوم وقوع الكمال، وإلا؛ فلا، فمثلا تقول لا بد أن أتصدق بكذا؛ وإلا؛ فلن أتصدق؛ بل الواجب التصدق والبذل بما في يد الإنسان وقدرته ولو قل؛ فإن النية تعظمه وتنميه، وربما حصلت بسببه المودة والألفة، وكان ذلك من أسباب الحجب والوقاية عن النار، فكما جاء في الحديث: (اتقوا النار، ولو بشق تمرة).

ثم ليُعلم - رحمني الله وإياك - أن الناس قد وضعوا لهم طرائق ورسوم ما أنزل الله بها من سلطان، ومن ذلك: عدم فقههم لمعنى إقامة الصلاة، وكأنها تقام في المسجد وليس على المسلم من حرج كبير إذا خالف ما تلزم به الصلاة من المبادرة في الطاعات، والكف عن المعاصي والسيئات؛ مما أدى بكثير من المسلمين إلى النكوص على أعقابهم، فلا تجد من كثير منهم رحمة لجيرانه، أو صلة لأرحامه، أو إحسانا لفقير أو مسكين أو ضعيف أو محتاج، ويغفل عن كون ذلك من أعلى مراتب الإحسان؛ بل من أحب الأعمال إلى الله؛ فإن ذلك من أعمال النفع المتعدية؛ بل هو من صميم ديننا الحنيفي السمح، المستقيم الوسطي، وليس الإسلام منحصرا كما يظن الكثير في جلباب وشعر ومظاهر وشعائر؛ بل هو قيم مثلى، وأخلاق عليا، صفاء نفس، ورقة طبع، وقرب وبشاشة ولين. الإسلام كما أنه صلاة وزكاة وحج وجهاد؛ هو - أيضا - عدل وحقوق وواجبات، وكرم ونبل، ومروءة وفضل، وشهامة ورجولة.

وكتب/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل العوفي.
السبت ١٤٤١/١٠/١٤.

الاثنين، 1 يونيو 2020

الله أكبر يا مآذن رددي

(الله أكبر... يا مآذن رددي) 

 الله أكبر... يا مآذن رددي * ولتسمعي الأكوان شرع محمد!
ولتصدحي بالحق جهرا إنها * صرح الكرامة في رحاب المسجد!
هي منهج للسائرين إلى الهدى * ولواء عز المؤمنين بأحمد
هي نور حق شع في أرجائها * كبت الحسود وذل أنف الأرمد!
وبها نجاة العبد يوم قيامة * لله رب العالمين بمشهد
جمع الخلائق لا مفر وإنه * يوم التغابن بالحساب المرصد
يوم يشيب الولِد فيه لهوله * والسابقون إلى الجنان بمقعد
ولكم يعض الظالمون من الأسى * والنار تزفر غيظها بتوقد
والله يغضب لا يكلم إنه * رب العباد وناصر للسجد
يا رب أكرمنا وحقق سعينا * واشمل بلطف منك كل موحد
واجمع قلوب الناس يا رب الورى * وهداية تضفى على المتهجد
واقصم بعدل منك كل ضلالة * وارفع منار الدين شأن المسجد

شعر/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي
طيبة الهدى والنور- الاثنين ١٤٤١/١٠/٩

بمناسبة:

فتح المساجد في الثامن من شوال من العام ١٤٤١ بعد إغلاقها بسبب جائحة كورونا، ولله الحمد والمنة والفضل والإحسان.