الأحد، 9 يوليو 2017

الوقت والإنسان

(الوقت والإنسان)

الوقت هو شريان الحياة وبه قوامها، فلا شيء أعز من الوقت، ومع ذلك يضيع سدى عند كثير من الناس!

وقد حفظت بيتا كتبه لي الوالد - أدام الله بقاءه (١) وحفظه ورعاه - :

والوقت أسهل ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع! للوزير ابن هبيرة.

فمنهم من يصرفه في أنواع من اللعب المباح أصلا، ومنهم من يضيعه في الحرام والاشتغال به، والذين يضيعون جل أوقاتهم في شيء مباح فعلهم مذموم، فكيف بمن يقطعه في الحرام؟! عياذا بالله من مثل حال هؤلاء. فسيعضون أصابع الحسرة والأسف والحزن والندامة في يوم التغابن والقيامة على ما أضاعوا من أعمار، وما فرطوا في ساعات الوقت؛ بل ولحظاته، فلم يملؤوا صحائفهم بما يبيض وجوههم، فيتمنون أن لو عادوا إلى الدنيا لاستغفار الباري، وعمل الصالحات، ولكن هيهات هيهات، فلقد كتب الله في الكتاب ألا رجعة للدنيا؛ فهل من مدكر أو متعظ؟ أو عامل الآن صالحا قبل فجاءة الموت، وزوال النعمة - نعمة الصحة والعافية، ونعمة الوقت -؟!

والوقت - كذلك - رأس مال الإنسان، فالوقت للإنسان يجب أن يكون أغلى من الأصفرين، كيف لا؟ وقد أقسم الله به في كتابه العظيم (والعصر- والضحى- والشمس وضحاها- والليل إذا يغشى- والليل إذا عسعس* والصبح إذا تتفس- والقمر* والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر).

والوقت - أيضا - عمر الإنسان الثاني، فالإنسان مجرد تاريخ، فإما أن يصبح في تاريخ العظماء والخالدين، وإما أن يصبح في تاريخ المنسيين، وأما البطالين والفاشلين فليس لهم تاريخ أصلا، قد حكموا على أنفسهم بالموت قبل الموت، فليس لهم ذكر بعد الموت، وهذا من العجاب، أناس ماتوا وما ماتت مكارهم، وأناس أحياء بين الناس ولكن لا يكادون يذكرون إلا همسا، وأناس ماتوا لما ماتوا، ودفن معهم ذكرهم، فلا يذكرون، فتأمل حال الناس في دنيانا هذه وما يؤولون إليه؛ تجد تصديق ما قد ذكرناه آنفا.

ولكي ننظم أوقاتنا ونحفظها من الضياع فيما لا طائل ولا نفع من ورائه؛ لنأخذ في حسباننا أولا ولنقتنع بأهمية الوقت، ثم لنتحلى بالعزيمة والإصرار، ولنكن ذوي همم سامية سامقة شريفة، لنرفع أبصارنا نحو السماء، لنضع لنا هدفا وأهدافا مساندة توصل إليه (أهداف رئيسية- أهداف فرعية، كبرى- صغرى)، ولنحلم وفي نفس الوقت لنكن واقعيين؛ فلا مثالية في تحقيق الفوز والنجاح.

لنأخذ على أنفسنا عهدا في تنظيم حياتنا، لا ننقضه أبدا، وإن كان في بعض الأحيان؛ فيكون التعويض عنه في أقرب وقت، ولنتدرج في هذا "تنظيم الوقت" فمثلا: أنا لا بد في هذا الشهر أعمل أعمالا أستغل بها وقتي أحسن استغلال، أكتب نثرا، شعرا، أحفظ جزءا، أقرأ تفسيرا، كتابا ثقافيا عاما، كتابا في التخصص، في الأدب الخ.

ثم بعد مدة من الزمن في نفس السنة بالتأكيد - ولنقل في منتصفها إذا كانت البداية من أولها - تنتقل إلى وضع جدول يضبط لك الوقت، على مدار اليوم إلى الأسبوع إلى الشهر إلى السنة، وتضع لك خطة تقسمها حسب ما ترى، وهذا مثال يرشدك، فمثلا تكثف من القراءة في مجال تخصصك، تبدأ بالأهم فالمهم، بالأولويات في حياتك، ولكن لا تثقل على نفسك، أجمها بالمباح، واستروح قدر ما به تستعيد نشاطك وقوتك الذهنية والنفسية والبدنية. يكون هذا الجدول منوعا وشاملا وكافيا، فالتنويع مثلا القراءة في غير مجال تخصصك حسب قوة رغبتك، فمثلا أنت تحبذ التاريخ ثم الحديث ثم التفسير، ثم علوم اللغة الخ فتجعل لكل فن نسبته التي يحتلها في داخلك، فمجال التخصص يكون نصيبه ٥٠% والخمسين الباقية توزع على بقية الفنون حسب قوة الرغبة والميول الفطرية إزاءها، فالتاريخ به ١٥ % والحديث ٥% والتفسير ٥% وعلوم اللغة ٢٥% وهكذا...ولتقسم الخطة إلى قريبة المدى وبعيدة المدى، قريبة المدى مثلا يوم أسبوع شهر سنة، بعيدة المدى مثل: سنتان ثلاث أربع خمس...عشر...عشرون...خمسون...مدى الوقت...

ولنراعي التدرج، لنأخذ أنفسنا بالتدريج المستمر والفعال، وكما في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (خير العمل أدومه وإن قل) و (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). أو كما ورد. وقال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا...) وهذا الشاهد (وإن الله لمع المحسنين). العنكبوت.

فبالإحسان والإتقان والعزيمة والإصرار والهمة العالية والعمل الدؤوب المستمر - وإن قل - تتحقق كثير من الأحلام والأمنيات. والتدرج سنة ربانية كونية تشريعية.

فاللهم لا تنسنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل الخير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(١) أي: أطال الله بقاءه، فقد أتى في القرءان الكريم الخلود بمعنى المكث الطويل، وهذا معلوم في لغة العرب.

بقلم/
عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.

الاثنين ١٤٣٨/١٠/١٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق