يا أبا عبدالملك،
قرأتُ مقالك كما تُقرأ المرايا، لا لمجرد التأمل، بل لاكتشاف ما خفي من ملامح الإنسان حين يكتب عن الإنسان.
نصك ليس قصة قصيرة فحسب، بل هو تأملٌ طويل في جوهر الكائن الذي نحمله ونجهله في آنٍ معًا.
استعارتك للزهرة كانت موفقة، بل بليغة، إذ اختزلت بها دورة الحياة النفسية والروحية للإنسان: نموٌّ، ذبول، ثم عودةٌ للنمو، وكأنك تكتب عن نبضٍ لا يموت، بل يتخفّى حينًا ليعود أنقى.
أعجبتني في نصك تلك الإيقاعات المتكررة:
“شيئًا، فشيئًا، فشيئًا…”
“هو إنسان، نعم…”
فهي ليست مجرد تكرارات، بل نُبضات، تُحاكي ترددات الشعور، وتُعطي للنص نغمةً خاصة، كأنك تلقيه لا تكتبه.
لكن، يا صديقي،
في بعض المواضع، شعرتُ أن العاطفة طغت على الفكرة، وأن الألم الشخصي -وهو مشروع– قد غلّف الرسالة العامة، فبدت بعض الفقرات وكأنها مناجاة أكثر منها تأملًا.
وهذا لا يُنقص من قيمة النص؛ بل يدعونا إلى إعادة التوازن بين حرارة الشعور وهدوء التأمل؛ حتى لا يضيع القارئ في زحمة الانفعال.
أحببتُ دعوتك لفهم الإنسان بكل تناقضاته، وأتفق معك أن كثيرًا من خيباتنا تبدأ من “الحكم المسبق”، ومن “النظر إلى طرف الإصبع بدلًا من القمر”.
لكنني تمنيتُ لو خُتم النص بجملة تأملية تُعيدنا إلى الزهرة الأولى، إلى رمز البداية، بدلًا من الهبوط المفاجئ إلى الدعاء –رغم جماله– الذي جاء بعد ذروة شعورية عالية.
ومع ذلك،
فما كتبته ليس مجرد مقال؛ بل هو مرآة، وصرخة، واعتراف، وتأمل، وحنين…
هو نصٌّ يُقرأ بالقلب قبل العين، ويُشكر عليه صاحبه؛ لأنه تجرأ أن يكتب عن الإنسان، لا كما يُراد له أن يكون؛ بل كما هو: متناقض، متألم، متأمل، طامح، خائب، لكنه حيّ.
دمتَ صادقًا في حرفك،
وفيضًا من شعورٍ لا يُزيفه التصنع، ولا تُطفئه خيبات الآخرين.
مع خالص التقدير،
عدنان السقاف🌷
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق