الأربعاء، 2 مايو 2018

القراءة المثمرة للقرءان الكريم

(القراءة المثمرة للقرءان الكريم)

الحمدلله.
وبعد:
فإن كل مسلم يعلم - علم اليقين - أن القرءان الكريم كلام الله، عزيز محكم، ولكنه - مع ذلك - ميسر للذكر والحفظ والفهم؛ فهل من مدكر، مقبل عليه، راغب فيه، مبحر في أسراره، كاشف عن أغواره، متطلب لمراميه، متعطش لهداياته، باحث عن مقاصده؛ فإنه - وربي - للشفاء من كل داء وبلية، وبه النجاة من الكربات والمصائب والنزغات الشيطانية، والنفثات الإبليسية، ووساوس شياطين الإنس والجن الردية.

وإن كثيرا من المسلمين لا يقرؤون كلام ربهم - الذي رباهم بالنعم، ودفع عنهم كثيرا من النقم - كما ينبغي؛ فترى منهم فئاما يقرؤونه كما لو كان كتابا آخر غيره - قراءة بدون ترسل وتفهم وتعقل؛ هذا كهذ الشعر، ونثرا كنثر الدقل - فهم - وإن حصل لهم أجر القراءة - إلا أنه قد فاتهم بذلك أمر أعظم وأجل: ألا وهو الغاية من إنزال الذكر الحكيم (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب).
وقال تعالى - معاتبا وموبخا من لا يتدبر ولا يتفكر، ولا يعقل ولا يتفهم -: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها). محمد.
وقال - وفي معاتبته لنا تضمين بالحث على الإقبال عليه -: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا). النساء.
فالقرءان محكم وعزيز، وميسر للطالبين، فما على العبد إلا الإقبال على كتاب ربه، والاهتداء بآياته، والاقتداء بما يأمر به - من فعل وترك -، والعيش في ظلاله، والفيء إلى أحكامه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بمحكمه، وعدم اتباع المتشابه منه، والتمسك بهداياته؛ فإنه النور والحفظ والبركة، إنه الحياة التي تسري إلى القلوب؛ فتضيء بنور كلام ربها، وتتبصر عيوبها.
إنه العز الذي يغذي النفوس المؤمنة الصادقة الطاهرة؛ فتسمو في ذرى العلياء، وتأبى الخنوع والذل والركوع لغير فاطر الأرض والسماء، ذي العظمة والجلال والبهاء والكمال والكبرياء.
إنه القرءان وكفى!
أعظم كتاب، وأشرف رسالة، وأخلد ذكر. أصدق خبرا، وأرفع ذكرا، وأشرح صدرا (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد). فصلت.

وإن القراءة المثمرة لكلام الله تتطلب أمورا:
الأول:
تصفية القلب من الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء، من أمراض الشهوات والشبهات على حد سواء؛ فكيف لكلام هو نور ورحمة وضياء أن يدخل قلبا قد اسود من هذه الأمراض والأدران والأوباء؟!!!
إنه لا مكان لكلام طاهر رفيع في قلب فاسد وضيع!
الأمر الثاني:
ملء هذا القلب بموارد الخير والعلم والبركة - من طلب للعلم النافع، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والصدقة الخ -.
الأمر الثالث:
شدة المحافظة على الوقت - الذي هو رأس مال الإنسان -؛ فيحافظ المسلم الكيس اللبيب الفطن على وقته؛ لعلمه واستيقانه بأن الحياة ما هي إلا سنوات، وأيام، وساعات، ودقائق، وثوانٍ، والحرمان - كل الحرمان - في تضييع هذه الأوقات وهدرها في المباح والفضول؛ فكيف بتضييعها في الحرام - من متابعة لقنوات وإعلام الخنا والرذيلة والفجور، والربا والقمار والنسا والخمور -؟!!!
إن الحرمان يكون - حينئذ - أشد، والمصيبة تكون أنكى، والغبن أعظم، والخسارة أفدح!!!
وإذا كان القلب قوي الصلة بالله؛ تهيأ لملئه بالعلم النافع، وسكب زاد الإيمان والتقى فيه، وبقدر ضعف صلة العبد بربه؛ يكون الحرمان!
وهذا مشاهد، فالذي تراه قوي الصلة بربه؛ تراه مقدما على صنوف البر والخير والجود والمعروف، ومن كان بضد ذلك؛ تراه محجما عن صنوف الخير والبر والجود والمعروف؛ فبقدر صلة العبد بربه؛ يهيء الله له مفاتيح الخير، ويدفع أو يصد عنه مفاتيح الشر، وبقدر ضعف صلة العبد بربه؛ يهيء الله للعبد شياطين؛ يؤزونه للشر أزا، والأول تدفعه الملائكة للخير دفعا، وتدفع أو تصد عنه الشر صدا، فالأول معه الله والملائكة، والثاني معه الشيطان وأعوانه، فليختر العاقل اللبيب ما في يوم الحشر يرجو لقاه!
ولو جعل المسلم لربه ساعة يقرأ فيها كلامه؛ لحّصل بذلك خيرا عظيما.
وعلى المسلم ألا يكون غاية همه ومناه: ختم القرآن ولو على حساب عدم التدبر؛ بل ليجعل الأصل هو التدبر والتفكر والتأمل؛ امتثالا للأمر الرباني بذلك.
وقد يجعل له ختمة تدبرية، وختمة أخرى سردية معتادة متوسطة، لا يخرج بها عن نظم القرءان وبيانه وإعجازه.
الأمر الرابع:
استشعار أن القرءان كلام الله هو رسالة لكل مسلم، وبه عزه وفلاحه إن تمسك به، وبه عطبه وهلاكه إن أعرض عنه، وأن الله يخاطبه بذلك؛ فإن ذلك أدعى في أن يثمر في قلبه مخافة الله وخشيته، وحبه ورجاءه والطمع في مرضاته، وسؤاله جناته.
الأمر الخامس:
وعليه أن يستمع لقراء مجيدين متقنين، يتغنون بالقرءان، ولا يخرجون به عن مقصوده.
الأمر السادس:
وعليه أن يقرأ في أحد التفاسير السنية التي تناسب مرحلته، والغالب على من هو تحت سن الخامسة عشرة أنه يناسبه (تيسير الكريم الرحمن؛ للعلامة/ عبدالرحمن بن ناصر السعدي) ومن فوقها إلى سن الثامنة عشر (تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير رحمه الله) ومن هو فوقها إلى سن الثانية والعشرين؛ فإنه من المناسب له القراءة في (جامع البيان عن تأويل آي القرءان؛ لإمام المفسرين/ ابن جرير الطبري رحمه الله) وهذه مرحلة متقدمة.
الأمر السابع:
وعليه أن يعتني - أول ما يعتني به - حفظ معاني الكلمات الغريبة، وهناك كتب في هذا الشأن مثل كتاب (كلمات القرءان غريب وبيان؛ لحسنين مخلوف).
ويقرأ في موضوعات السور وهدايات الآيات.
وقد جعلت معتمدي في التفسير (التفسير المحرر) فهو الذي للقراءة والدراسة والحفظ والفهم، وإذا أردت التوسع؛ فهناك المطولات، ولكنه هو الأصل ومعتمدي، وهذه طريقة نافعة في شتى العلوم، وهي أن تختار كتابا معتمدا محررا ليس بالطويل ولا بالقصير؛ يكون أصلك في ذلك الفن، وعليه تبني وتشيد بنيان العلم النافع الراسخ - بإذن الله تعالى -.

حرره/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
الأربعاء ١٤٣٩/٨/١٦.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق