الاثنين، 30 يناير 2023

قيد الخاطر - (شذرات)

قيد الخاطر - (شذرات)

١- البعض ممن عاشرتهم يستصعب شراء كتاب وقراءته، ويدعي أنه سماعي، وبعضهم يفضل القراءة عن طريق الكتب الإلكترونية.
وأنا أقول:
الكتب الإلكترونية والمكتبة الشاملة وغيرها؛ هذه مفيدة للغاية في البحث، لكن طعم القراءة هو في الكتب الورقية.
وقراءة الكثير عن طريق تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، غالبها قراءة فوضوية، وهوس بالجديد، وضياع للعتيق، ولا تنتج إلا أنصاف جهال ومتعالمين، وهذا من علامات الساعة الصغرى وآخر الزمان (إعجاب كل ذي رأي برأيه)، ورأينا من هذا الصنف الكثير - لا كثرهم الله -، كل يعرض بضاعته، فتن متلاحقة، لا تكاد تنتهي حتى تأتي أخواتها في تباعها.
ومن هشاشة نفوس كثير من أبناء عصرنا هذا: ظنهم أن الفائدة لا يجب أن تأتي عن طريق التعب، يريدون كل شيء بمجرد الرغبة، ولا يخوضون غمار التعب والسهر والبذل والوحدة مع الكتاب، أضحوا مربوطين بعالم افتراضي مبهرج، طوقهم بأعرافه ونظمه وتقاليده، فهم مسيرون فيه - يشعرون أو لا يشعرون -.
ولا عذر لمريد المجد وطالب الحمد من سوء الأكثرية ومن حوله - أو كونه يعيش في بيئة طاردة لا جاذبة - في بلوغ الأمل بالعلم والعمل، وطرد الملل، وهجران الكسل، حتى يستحلي المر في طلب المعالي "ومن طلب العلا سهر الليالي".
هذه التقنية وفرت الكثير، لكن القليل من يستغلها أمثل استغلال،الغالب مهووس بجديد الأخبار، ومطاردة الأمطار، ومتابعة آخر صيحات الموضة، وكأن الغرب قدره أن يصنع ويصدر، والشرق يستهلك ويستورد، كأنه يراد لنا الشر، كلوا واشربوا وتمتعوا، لكن لا تفكروا ولا تعملوا ولا تقرؤوا، ظلوا على تخلفكم وإشباع رغباتكم، نحن نخطط، وأنتم تنفذون "يخربون بيوتهم بأيديهم"!.
٢- كنت كثيرا ما أحضر في أحد المجالس العامرة، نتحدث ونتقهوى، ذات ليلة سافرت إلى سكاكا لإحدى اختبارات الفصل الثاني في دبلوم الاستثمار الأمثل للكوادر التعليمية عام ١٤٤٤، فبعض من في المجلس افتقدني، وراسلني على الوثاب "الواتس أب"، يتطمن علي، فشكرته وحمدت الله، وكنت لا أظنه يفتقدني ويراسلني، وبعض من كنت أظن فيه أن يفتقدني ويراسلني؛ لم يفعل، وما أنا متتبع لهذا، فأفرح إن أقبل علي بعض من أريده أو أعرض، الحياة لا تقف على أحد، والقوي من يتكيف ويعيش بسلام داخلي وخارجي، يعطي ولا ينتظر مقابلا إلا من الله، باختصار: يبني حياته على المبادئ والقيم، لا المادة، فما أبأسها من حياة، وما أنكده وأضيقه من عيش إن كان على المادة، فهنا الحياة تنقلب إلى جحيم لا يطاق، وكثير من الناس - والله - حياتهم على هذا المنوال، ويجرون في هذا النسق، فلا ربحوا دينا ولا دنيا!
٣- من سمات عصرنا المستفحلة: الهشاشة النفسية، والتسيب، واللا مبالاة، وضعف العقل، وقلة التركيز، وتضخم الأنا، والجهل بحقيقة التربية الإسلامية، وتربية النشء على الاتكالية، وعدم المسؤولية، وضعف الثقافة الإسلامية، وانتشار المفاهيم الخاطئة للتربية، وتصيد عثرات الكرام.
٤- يولد الإنسان طفلا صغيرا، حتى يصير طفلا كبيرا.
٥- يقول تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) وفي الحديث: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، ويخرج بعض الرويبضة ليقول الوالدان ليسوا مسؤولين إلا عن الإعاشة وتعليم المهارات، أما في الجانب العبادي؛ فهذا سلوك شخصي (ألا ساء ما يحكمون).
٦- طرح المركز العالمي لمحاربة التطرف (اعتدال) هذا السؤال: كيف نحمي أطفالنا من التطرف؟ فقلت:
بغرس القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، واحترام الكبار، والعطف على الصغار، والرزانة والهدوء والحكمة، ومشاورة ذوي العقول الرجيحة، وسد جميع منافذ الشر والتطرف، ومراقبتهم نفسيا وسلوكيا وأخلاقيا، وتزويدهم بالكتب النافعة، وتنشئتهم على حفظ القرآن وفهمه، وتحذيرهم من مسالك الإجرام والتطرف، وهو ما يشمل الغلو والجفاء.
٧- مما نشرته اليوم السبت ١٤٤٤/٧/١٢ وأنا في طبرجل من فوائد لابن القيم ما يلي:
له عبارات بديعة في كتابه العظيم (بدائع الفوائد - ط ١ لابن حزم) منها:
يقول رحمه الله:
اللطف مع الضعف أكثر، فتضاعف ما أمكنك. ١٢١٨.
ويقول:
الدنيا كامرأة بغي، فلذلك عيب عشاقها. ١٢٠١.
ويقول:
وأبعد القلوب؛ القلب القاسي. ١٢٠٠.
٨- من الفتن المعاصرة: ظهور الرويبضة، وبزوغ نجم النفاق، وتفاقم الجهلة وأنصاف المتعلمين، وازدياد شر المتهتكين، وأصبح المدعي للفضيلة يحارب الفضيلة في قالب النصح والتغيير... أحدهم يقول: "إرغام الأطفال على حفظ القرآن الكريم، لا ينتج أطفالا مؤمنين؛ بل أطفالا منافقين جدا!".
أقول:
بل يحببون في ذلك ويرغمون مع ذلك، ترغيب وترهيب، هذا نهج القرآن والنبي العدنان - عليه الصلاة والسلام -، أما الجاهل المميع، فذاك الذي يجنح ل "التربية الرخوية"، لا "التربية الإسلامية "، المتوازنة في العطاء والأخذ، والترغيب والترهيب، والحزم واللين.

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي. 
طبرجل - الأحد - ١٤٤٤/٧/٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق