بسم الله، الحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
خفق الفؤاد ليقرأ حروفا من نور، وسيرة تفسح بها الصدور، سيرة أدبية لنبي الرحمة وإمام البشرية، ذلكم (الرجل النبيل) صلوات ربي وسلامه وبركاته على محمد.
وكانت فكرة قد لازمتني منذ شهر تقريبا، وهي فكرة (تقريب العلوم الشرعية)، فكتبت فيها ما شاء الله أن أكتبه، وبعضها في طور الإنجاز، ومن ذلك فكرة الكتابة في السيرة النبوية، لكن بصياغة أدبية شاملة لجوانب السيرة النبوية العطرة.
وقد رأيت أ وضاح بن هادي - حفظه الله ورعاه -؛ مؤسس (مؤسسة نقش المعرفة)، وهي مؤسسة رائدة في عرض الكتب وتسويقها وطباعتها وشرائها، وكم استفدت من نشراتها للكتب، ومن نصائح مؤسسها القرائية والمنهجية، واستفاد الكثير غيري كذلك.
أقول: رأيته في يوم الخميس بتاريخ ١٤٤٣/٦/٢٤ قد كتب تغريدة فيها صور بعض ما كتب في السيرة النبوية من مكتبته، وقد سألته: هل هناك كتب صاغت السيرة النبوية صياغة أدبية راقية مركزة على شخصيته في صفحات قليلة؟ فأجاب : الرجل النبيل، ونور من الحجاز، فهرعت إلى (الشيخ قوقل)، وكتبت اسم الكتاب (الرجل النبيل) فتصفحت النزر اليسير من الصفحات، واستخرجت منه بعض الشذرات، أسردها لك أيها النبيل كما يلي:
١- هناك أمور لا يتصور تعددها؛ منها الحب، فالحب فيض لا يتصور أن يكون متعدد الأقدار، ولكن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعاظم كل مرة، فقد بعثه الله بالحب كما بعثه بالرحمة، قال - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه: (يا أبا يزيد: إني أحبك حبين: لقرابتك، ولحب عمي لك).
٢- كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محبا، ولكن لا يمكن أن يحب، ثم ينسى حبه بسهولة، فإن كان الحب هو الحلقة الأولى من سلسلة المشاعر؛ فإن الوفاء هو الحلقة الأخيرة والأبدية من هذه السلسلة.
٣- الدنيا ليست حديقة غناء، ولا شجرة في هذه الحديقة، الدنيا ظل شجرة! إنها أقل من أن تكون شجرة! إنها الظل الزائل، إنها البقية الباردة التي في الكأس، إنها الأشياء التي تختفي بمجرد أن نحدق فيها!
٤- الدنيا في عين النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست (لا شيء)؛ بل إن (اللا شيء) أكبر قدرا منها! إنها - باختصار - : ملعونة!
٥- إن جناح البعوضة له من القيمة ما ليس للدنيا بكل تفاصيلها!
٦- (بل أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئا) :
إنه لم يسامح الأحياء؛ بل إن حلمه وتسامحه تجاوز الأحياء إلى أناس لم يخلقهم الله بعد!
٧- لقد أسقط - عليه الصلاة والسلام - جميع (البروتوكولات) التي يظن بعض الناس أن المنصب يقتضيها، وأنها (رتوش) إضافية تحافظ على هيبة الكرسي، وجلالة المكانة، ولكنه - عليه الصلاة والسلام - قرر شطبها من قائمة اهتماماته، فليس هناك شيء يحافظ على هيبة الكرسي أقوى من العدل والإنصاف، ولا رتوش تبقي للمنصب مكانته وأبهته كالصدق والتواضع!
٨- إذا رأيت رياح العفوية تهب، فتقتلع الزيف، وتلغي التجبر، وتطمس الكذب الذي يحيط به المتكبرون أنفسهم؛ فاعلم أنك بإزاء الرجل النبيل محمد - صلى الله عليه وسلم -.
٩- لقد استعاض النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجارة المدينة السوداء عن السجادة الحمراء، وبالحشائش المنتثرة في تلك الخرائب عن الزرابي المبثوثة، وبرائحة تراب المدينة الطاهر عن تلك المجامر المتضوعة طيبا!
١٠- هو نبي عظيم، وإنسان كريم، لم يبعثه الله تعالى ليخنق معاني الإنسان في قلوب الناس؛ فلا يغضبون ولا يحبون، ولا يضحكون ولا يبكون؛ بل جاء ليعلمهم كيف يبكون، ولكن بتجلد، وكيف يضحكون، ولكن بوقار، وكيف يحبون، ولكن برقي، وكيف يغضبون، ولكن بعقل!
علمهم كيف يمزجون طبائعهم الأرضية بقيمهم السماوية، فينتج عن ذلك أعظم مزيج.
١١- لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتقد أن الحياة مسجد، كل ما فيها ذكر وصلاة وعبادة؛ بل إنه جاء ليجعل العبادة شيئا أكبر من الصوم والصلاة... إن العبادة أن تعيش الحياة بالشكل الذي أرادك الله أن تعيشه فيها... إن العبادة أن تصلي وتصوم وتجاهد، وأن تنام وتأكل وتضحك.
١٢- أرأيتم إنسانا استطاع أن يحافظ على الإنسان في نفسه كمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي الوقت الذي شيد معاني الإيمان العميق في النفوس، لم يخدش الإنسان الذي يغمض عينه، أو حتى عينيه عن بعض العفويات التي تقع في طريقه...
١٣- إن تصنع عدم المبالاة لا يصنع العظماء؛ فالعظيم هو من لا تفوته التفاصيل المؤثرة، التي يجعل التعليق عليها الحياة أجمل، والأرواح أكثر طمأنينة.
١٤- إن تحول الإنسان إلى صحراء قاحلة لا تحس، ولا تهش للجمال، ولا تعبر عن التفاتات الروح؛ ليس شيئا جيدا، فضلا عن أن يكون من منازع الرجولة، وسمات القيادة!
١٥- وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ملهما، نافخا روح الحياة في قلوب من حوله، فيخرجهم بذلك من الهامش إلى المتن، ومن الانفعال إلى الفاعلية!
لقد نقل مواهبهم من دائرة الميولات الشخصية، إلى حقل التأثير والبناء!
نفض عمن حوله العادية، وألبسهم ثياب العظمة!
وصدق الشاعر حين قال:
هل تطلبون من المختار معجزة؟ * يكفيه شعب من الأموات أحياه
١٦- مما يبهر كثيرا في شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - : قدرته على قراءة مكوناتك في جزء من الثانية، ثم قدرته أيضا على انتخاب خصلة العظمة فيك، فينفخها بثناء، أو اهتمام، أو بلفت نظر، فيحولك إلى عظيم تحتل صفحة مهمة في سجل النبوغ.
١٧- لم يحرص - عليه الصلاة والسلام - على إخراج أحد من أصحابه من حيزه الذي خلقه الله فيه وله، وإنما وظفه، وأنعش خصائصه، فباتت تمور وتدور حول معاني الفضيلة، وحول حماية جناب الدين، وحول الدفاع عن نبي الإسلام الأعظم.
١٨- لا تستغرب من الرجل الذي كان يقف كالأسد في كبد المعارك، ويرفع سيفه في وجوه وحوش البشر، أن يكون هو نفسه الرجل الذي يدلع لسانه للحسن، إنه الرجل النبيل الذي جعل الحب في متناول الجميع.
١٩- إذا أردت أن تشيع النبل بين الناس؛ فلا تحدثهم عن الحنان والرحمة والأبوة، يكفي أن تحدثهم عن ذلك الرجل النبيل - عليه الصلاة والسلام -.
٢٠- إنه الرجل النبيل، الذي اتسع قلبه لكل ما هو إنساني، وبات أيقونة الإنسان العظيم، الذي لا يصعب أن يتكرر؛ بل يستحيل!
٢١- (ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم) :
إذا، ما قيمة تصنع المهابة، وتقطيب الجبهة، وهذا أهيب إنسان تكاد تكون الابتسامة ملازمة لقسمات وجهه الوضيء؟!
٢٢- لم يكن الطيب المطيب ينهاهم عن الأحاديث التي تدور تفاصيلها حول أيام الجاهلية، وما كان فيها من طيش ونزق! بل كان يشاركهم بابتسامته الحبيبة، وكأنه توقيع رضا، وختم موافقة على العادية، وعدم أخذ الحياة بتكلف.
٢٣- كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطف الأرواح خطفا، ولا يتمالك القادم إليه حتى يغدو أحد أتباعه، ينهل منه العلم، والإيمان، والابتسامة.
٢٤- لقد بات محمد نقيا إلى درجة الصفاء البحت، وبات داخله سماء مليئة بالأنوار، وعالما متخما بالطهر، وهذا هو الحيز المناسب لتنزل فيه أعظم رسالة، تتضاءل عن حملها الجبال الشامخة (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله).
لقد بات محمد جاهزا ليكون أشد من جبال الدنيا جميعا، وأطهر من مياه الكون بأكمله، وأنور من شموس المجرة مجتمعة.
والكتاب يقع في مئة وسبعين صفحة، من إصدارات دار الحضارة، الطبعة الأولى ١٤٤٠، في أسلوب أدبي أخاذ! يصلح للمبتدئين والمتوسطين، ولا ضير أن يقف عليه المتقدمون، فللحروف مشاعر، وللقلم وجدان، وللكاتب طريقة في شق طريقه إلى سويداء القلوب.
وكتب/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل العوفي.
طبرجل، الخميس ١٤٤٣/٦/٢٤.
جزاك اللّه خيرا على هذه الكلمات النبيلة
ردحذف