(بمناسبة خطبة الخسوف)
الحمدلله، وصلى الله على رسول الله وحبيب الله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما مزيدا إلى قيام الناس لرب العالمين.
وبعد
فإنني قد دعيت - ولست والله بأهل - إلى الإمامة في صلاة خسوف القمر في يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء بتاريخ ١٤٤٠/١١/١٣، فلبيت الدعوة في جامع الصحراء بالدوداء، وأميت بهم، وخطبت بعد الصلاة بهم، ومما قلت في خطبتي هذه - وليس هذا كل ما قلته حرفيا؛ بل بعضه أضفته بعد الخطبة -
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينتقم لنفسه قط أبدا؛ فإذا انتهكت محارم الله؛ لا يقوم لغضبه شيء!
هلاك الأمم، وفناء الشعوب، وتمزق المجتمعات، وانهدام صرح الحضارات، وحلول اللعنات والغضب والانتقام من رب الأرض والسماوات، وكسب الدعوات بالهلاك من الدواب والحشرات والحيوانات؛ كل ذلك بسبب الإصرار على المعاصي والمنكرات، واقتراف الكبائر والموبقات المهلكات، والجهر بالفواحش على الملأ بلا نكير ولا صادع بالحق والنصيحة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم! وصدق الله: (وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون). هود.
فلا بد من الإنكار والإعذار إلى الله جل في علاه، والنصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
لا قوة تقف أمام قوة الله، وجبروت الله، وعظمة الله، وما الإنسان إلا مخلوق ضعيف حقير؛ لا يملك من أمره شيئا أبدا، وما فلاحه وفوزه ونجاته، وسعادته الأبدية، وانشراح صدره، وزكاء نفسه، ونماء عقله، إلا في اتصاله بربه وسيده ومولاه؛ المتفضل عليه في كل آن وحين، بكل نعمة ظاهرة يعلمها، أو خفية لا يعلمها (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). الذاريات.
لا شيء - والله - أجدى بإشغال تفكير العبد من رضا سيده ومولاه، والله وتالله وبالله لن تجد سوى الله؛ حقيقة وعاها العارفون المقبلون، وصدف عنها المذبذبون المعرضون: (الآمال دون الله سراب)!
للأسف أن كثيرا من المسلمين انغمسوا في هذه الحضارة العفنة المادية المتلفة للروح والجسد معا، فلا تراهم إلا على الجوالات، وأمام الشاشات، وفي الاستراحات والجلسات؛ فلا دين ولا دنيا؛ بل عطالة وبطالة، وإعراض وغفلة وصدوف عن الآيات؛ فقست القلوب، وجفت العيون إلا ما رحم ربك "وقليل ما هم". ص.
غفلوا عن الحقيقة الوجودية الكبرى، وتغافلوا عما فيه سعادتهم وفلاحهم، وزكاء نفوسهم، وانشراح صدورهم، ونماء عقولهم، وعزهم وذكرهم وشرفهم، وكان أمرهم فرطا!
فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ كم قست منا القلوب، وكم جفت منا العيون، وكم اشمأزت منا النفوس، وكم شطت بنا الأفكار، وكم بعدت بنا الأذهان عن موعود الملك الديان؛ فنسينا الجنة، ونسينا النار؛ فيا ويلنا إذا خشعت الأبصار، وأقنعت الرؤوس للجبار، وبعث الناس مهطعين سراعا إلى محكمة العدل (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب). غافر. فعند ذلك لا تنفع الأعذار (كل نفس بما كسبت رهينة). المدثر.
وبعد:
فيا أخي المبارك:
كن على الحق والتوحيد والسنة؛ متخلقا بالأخلاق الفاضلة، والشيم العالية، مترفعا عن التوافه والمغريات، عابدا لله بالإخلاص والاتباع، غير مغتر بالكثرة الكاثرة، الذين هم غثاء كغثاء السيل، لا ينصرون قضية، وليسوا على الفطرة السوية؛ أضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا.
وجوهرة أخرى:
كن مقبلا على كلام الله العظيم، وسنة نبيه الكريم - عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم -، وأنت ترى كثيرا من المسلمين اليوم - وللأسف - قد هجروا كتاب ربهم، واستغرقوا أوقاتهم فيما سوى هذا الكتاب العظيم؛ في متابعة لمسلسل هابط، أو مباراة تافهة، أو استماع إلى الأغاني الماجنة، أو في الجلسات والاستراحات التي لا تتنزل فيها السكينة، ولا تغشاها الرحمة، ولا تحفهم الملائكة، ولا يذكرهم الله فيمن عنده؛ بل تتنزل فيها الوحشة، وتغشاها اللعنة، وتحفهم الشياطين؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون!
حرره/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي.