(الجهاد الداخلي قبل الجهاد الخارجي)
النفس أسمى غايات الجهاد، فكيف بقوم نسوا أنفسهم في سبيل الشيطان والهوى والعيش الدنيء، ورضوا بأموالهم وأولادهم، وحرثهم وزرعهم، وتجارتهم وعشيرتهم، ولم يرفعوا بالجهاد في سبيل الله رؤوسهم، كيف بهم يريدون أن تتحرر هذه الأمة المكلومة المغلوب على أمرها، وهم يقفون حائلين بين نصرها وعزها بوقوعهم في موانع النصر والعزة؛ حيث جبنوا حين حق منهم الدفاع والاستبسال، وخضعوا حين وجب عليهم الاستكانة والتضرع لا استجداء الأعداء، وأن يعدوا العدة، ويرهبوا أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
كيف يريدون نصرا وهم يقيمون حفلات مزمار الشيطان، والعدو مشرف من ناحية تلك الثغور، ولم يتعظوا بمن حولهم من الأمم والشعوب؛ كيف تبدلت أحوال الأقوياء حتى صاروا ضعفاء مهانين، وأحوال الشرفاء، كيف ضربت عليهم الذلة والمسكنة بعد الجاه والبهرجة؛ بل كأنهم لم يسمعوا أو يروا كيف سقطت عروش، وذهبت ممالك، ونزعت دول عن هيبتها وسيادتها؛ فأصبحت لقمة في فم الأعداء المفترسين، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة!!!
كيف يريدون نصرا والمعاصي تعلن على الملأ، ولم يؤخذ على أيدي هؤلاء الدخلاء السفهاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!!!
كيف يريدون نصرا ودين الله يسب ويشتم، وسنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - يستنقص منها بدافع حرية الرأي كما يزعم الرويبضة المنافقون التافهون؟!!!
كيف نريد نصرا لأمتنا المجيدة ودعاة البدع تفتح لهم الأبواب، وتسلط عليهم الأضواء، ويقدمون كقدوات لأجيال وأمة الإسلام؟!!!
كيف يتحقق النصر ونحن في سعي في موانعه؟!!!
إن الله لا يعز إلا من أعز دينه، ورفع رايته، وأحسن معاملته به - جل وعلا -، وأحسن - كذلك - للمخلوقين، فيكون متمثلا لتعاليم الإسلام السمحة، في وسطية واعتدال، لا غلو فيها ولا جفاء؛ بل سير على قبس من نور وهدي الكتاب والسنة، وبفهم سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم.
وإن الله لا يذل إلا من جعل دينه ظهريا؛ فلم يرفع به رأسا، لم يحكمه في حياة الناس وشؤونهم وقضاياهم، ولم يدعو إليه بحكمة وموعظة حسنة، وجدال بالتي هي أحسن؛ بل ركن إلى الدنيا، فغره بالله الغرور، وذلك ذل الدنيا والآخرة!!!
إن علينا - معشر المسلمين - واجبا عظيما، ومسؤولية جسيمة لنصرة ديننا وقضاياه العادلة، في نظرة متزنة، وفكر صحيح، وسير ثابت وحثيث على مبادئنا الغراء، ولا يتأتى ذلك إلا بجهاد ما بين جنبينا، وحضوض النفس الداعية إلى الدعة والاستسلام، وتنقية أفكارنا مما شابها من التعكير والتشويه، وتصحيح عقائدنا مما داخلها من التحريف والتزييف والتعطيل، ورص الصفوف، وإعداد القوة، والتوكل على الله - جل جلاله -، مع الأخذ بالأسباب الشرعية، والسبل المرضية، دون توان أو كسل، وكشف المنافقين، وفضح المخذلين والمثبطين - أعداء الداخل، أذناب الخارج، المأجورون، المدفوعون لضرب الإسلام من جذوره، وتخدير أبنائه عن البصيرة في النظر إلى ما يحاك من مؤامرات تخر لها الجبال هدا -.
إن الإسلام منصور بلا أدنى ريب، ولكن هل يا ترى يكون لنا الشرف بذلك النصر والظفر؟!!!
إن الجهاد الداخلي هو وسيلة مهمة لتحقيق الجهاد الخارجي؛ بل لا يتحقق الجهاد الخارجي بدون تحقيق الجهاد الداخلي؛ إذ إن الأول يستلزم الأخير!!!
بقلم/
عبدالرحمن بن مشعل المطرفي - الأحد ١٤٣٧/١٢/١٦.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق