(حادث إرهابي جامع النور في نيوزيلندا...عظات وعبر)
الحمدلله، وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فوجئ الجميع على حادثة إرهابية مأساوية، وذلك في يوم الجمعة بتاريخ ١٤٤٠/٧/٨، في جامع النور في نيوزيلندا؛ حيث دخل الجامع مجرم سفاك، إرهابي نصراني صليبي - يأكل الحقد قلبه -؛ ففرغ رصاصات الحقد على الركع السجود، الخاشعين القانتين، المصلين المسلمين المسالمين؛ قتل كل مسلم بريء أمامه - من صغير وكبير، رجل أو امرأة -؛ الكل أفرغ عليهم رصاصات الحقد الصليبي لديه، وكان يبث تلك الجريمة الآثمة الإرهابية الظالمة الكافرة على الهواء مباشرة بكاميرا جعلها فوق رشاش الظلم والبغي والطغيان!
وقد رأى الجميع كيف أنه - أول ما دخل الجامع -؛ خرج رجل أفغاني سبعيني مسلم وقور؛ فحياه: أهلا بك أخي؛ فما كان من الكفور الآثم البغي الحقود إلا أن بادره بطلق رصاصات الحقد عليه؛ فأرداه قتيلا - شهيدا بإذن الحي القيوم -!
وقد كتب على رشاش الحقد والظلم والبغي والعدوان ما يلي:
اسكندر بك (القائد الألباني المتمرد ضد الدولة العثمانية)
ضد اللاجئين.
شارل مارتيل (قائد جيش الفرنكيين، الذي انتصر على المسلمين في معركة بلاط الشهداء).
أهلا بكم في جهنم.
ماركو أنطونيو براغادينو (القائد الفينيسي، الذي خالف الاتفاقية في فاماغوستا، وقتل الأسرى الأتراك).
ألكسندر بيسونت (قتل ستة أشخاص بهجوم على مسجد في كندا في عام ٢٠١٧).
أنطون لوندين (قتل طفلين مهاجرين في السويد).
وقد ندد الكثيرون - من دول وأفراد ومؤسسات - بهذا العمل الإجرامي الإرهابي الصليبي الحاقد الأثيم الكفور، وعلى رأس ذلك رئيسة نيوزيلندا، والذي لبست الحجاب، وألقت الخطاب الرافض لمثل هذه الأعمال التي لا تمت للإنسانية بصلة؛ بل هي أعمال إرهابية إجرامية وحشية.
ولنا مع هذا الحدث الأليم، والمصاب الجلل عدة وقفات:
أولا: نحن مسلمون، نؤمن بقضاء الله وقدره؛ فما شاء؛ كان، وما لم يشأ؛ لم يكن (إنا كل شيء خلقناه بقدر). القمر.
فلا نجزع ولا نتسخط؛ بل نشكر الله ونحمده على هذه المصيبة، ولا نقول إلا ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها يا رب العالمين، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، اللهم تقبلهم شهداء عندك في حضرة الفردوس، وجنات النعيم، يا كريم يا منان يا رحيم.
ثانيا: هذا مصداق قول رب العزة والجلال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم...). البقرة.
هذا قول الباري - جل وتقدس - في كتابه المبين، ينفي نفيا قاطعا رضاهم عنا - نحن المسلمين - حتى نتبع ملتهم؛ فنكون يهودا أو نصرانيين، أو بوذيين، أو رافضة مشركين، الأهم إخراجنا من ديننا - دين العز والشرف والطهر والنقاء والكرامة والنصر والتمكين -؛ فهم لن يرضوا عنا بتنازلاتنا عن مبادئنا وأخلاقنا وقيمنا دون إلغاء الإسلام، وإلغاء محبة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأجلاء - الصديق أبو بكر، والفاروق عمر، وذو النورين عثمان، وأبو التراب أبو السبطين أبو الحسنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه جميعا -، وابن الوليد - سيف الله المسلول خالد -، وحمزة بن عبدالمطلب - سيد الشهداء -، رضي الله عنهم أجمعين.
لا يريدون إسلام محمد - صلوات الله وسلامه عليه -، ولا إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخالد وحمزة، والقعقاع، وصلاح الدين الأيوبي، وعمر المختار - رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين -؛ يريدون إسلاما حسب أمزجتهم وأهوائهم ورغباتهم وشهواتهم؛ حتى لا يكون هناك إسلام ألبتة!
فوالله وتالله وبالله، لو أخرجنا نساءنا في الشوارع والطرقات، كاسيات عاريات، مائلات مميلات، متبرجات مسفرات متعطرات مترجلات، وفتحنا البنوك والمصارف الربوية، وأظهرنا الزنا والربا والخنا والفجور، وشرّعنا السفور؛ فإنهم لن يرضوا عنا حتى نكون بلا إسلام، بلا محمد، بلا صحابة، بلا تاريخ، بلا هوية، بلا اعتزاز وشموخ وإباء!!!
لأنهم يعلمون - جيدا - أن المسلمين في عزة ونصر وتمكين وشموخ وإباء ما داموا على إسلام محمد، ما داموا قارئين لتاريخ أجدادهم وأسلافهم، منتمين لهم، مقتفين آثارهم، ذابين عنهم، وبدون ذلك هم في شقاء وضيق وهزيمة وفشل وضعف وتخلف!
وصدق ربي وربكم حين قال - وقوله الحق -: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون). المنافقون.
وقال: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). محمد.
وقال: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم...). فاطر.
فالله - جل جلاله - غني عن طاعاتنا وعبادتنا له - جل وعلا -.
غني عن ركعاتنا وسجداتنا، عن نصرنا له - سبحانه وبحمده -، ولكن يريد لنا ما فيه صلاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد* إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز). فاطر.
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). آل عمران.
فالصبر والرضا واليقين بنصر الله؛ هو من أسباب تثبيت قلوب أهل الإيمان، وألا ييأسوا من روح الله وفرج الله ورحمة الله؛ فإنه - كما قال الله -: (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). يوسف.
وقال - جل وعلا -: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). الحج.
وقال: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين* إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين* وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين* أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين* ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون* وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين* وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وكذلك نجزي الشاكرين* وكإين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين). آل عمران.
وقال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين* الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم* الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل* فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم* إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين). آل عمران.
وقال تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون* ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). البقرة.
وقال - عز وجل -: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون* إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين* وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). الأنبياء.
وقال - جل وعلا -: (وإن جندنا لهم الغالبون). الصافات.
وقال: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). الحج.
وقال - جل وتقدس -: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور). الحج.
وقال سبحانه: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). الصف.
فملخص الآيات فيما يأتي:
أولا: وجوب الإيمان بالقضاء والقدر.
ثانيا: عدم رضا اليهود والنصارى والكفار جميعا عن المسلمين حتى يدعوا دينهم أبدا.
ثالثا: العزة والكرامة والصمود والنصر والتمكين لله ولرسوله وللمؤمنين.
رابعا: الله غني عن نصرتنا له، ولكنه - جل وعلا - يريد ما فيه صلاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
خامسا: الصبر والمصابرة والمرابطة والمجاهدة، وتقوى الله تعالى؛ من أسباب الفلاح في الدنيا والأخرى.
سادسا: اليأس من روح الله ورحمة الله وفرج الله ونصر الله؛ من صفات وسمات الكافرين.
سابعا: الصبر والمصابرة والمرابطة والمجاهدة والتقوى من صفات المؤمنين المفلحين.
ثامنا: من ينصر الله؛ يقيم صلاته، ويؤتي زكاته، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
تاسعا: المداولة بين الحق والباطل، والتوحيد والتنديد، وحزب الله وأولياء الله، وحزب الشيطان وأولياء الشيطان؛ وأن العاقبة للمتقين.
عاشرا: من حكم وقوع مثل هذه المصائب: تمييز الصف الإسلامي وتصفيته؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والبر من الفاجر، واتخاذ الشهداء، وأن هذه سنة جارية على الخلق جميعا؛ ليتبين الصابر والمحتسب والمجاهد والشاكر من خلاف ذلك كله.
حادي عشر: كل نفس لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها وعملها؛ فسددوا وقاربوا، والعبرة ليست بالموت، إنما بما يموت عليه المرء، وبما يختم له!
ثاني عشر: محبة الله للصابرين، وهدايته لهم.
ثالث عشر: كثرة الذنوب من أسباب هلاك الأمم والشعوب؛ فمن متطلبات النصر: تقليلها، ولا نقول رفعها؛ لأن الكمال منفي عن الجنس البشري.
رابع عشر: حياة الشهداء في سبيل الله عند الله حياة كاملة.
خامس عشر: رزق الله للشهداء، وإغداق الفضل عليهم، وإمدادهم بنعمه الوفيرة، وآلائه الغزيرة، وإحسانه المديد.
سادس عشر: الإحسان - بكل أنواعه -، وتقوى الله - سبحانه - من أسباب تحصيل الأجور العظيمة.
سابع عشر: المؤمن دائم التعلق بالله، والتوكل عليه، وحسن الظن به - جل في علاه -، وخصوصا في زمن المحن والكروب.
ثامن عشر: الله لا يخيب من صدق في اللجإ إليه؛ فهو عند حسن ظن عبده به.
تاسع عشر: التحذير من الخوف ممن هم دون الله تعالى.
عشرون: الأمر بجهاد أعداء الله الكافرين - بجميع أنواع الجهاد -؛ جهاد اللسان والكلمة، والنصح والبيان، وجهاد السنان والقوة، جهاد الدفع، وجهاد الطلب.
الحادي والعشرون: أن دين الإسلام دين الوسطية والسماحة والسلامة والرفق.
الثاني والعشرون: أمة الإسلام أمة واحدة، وهي شاهدة على الأمم بتبليغ الرسل لها، والرسول - صلى الله عليه وسلم - شاهد عليها بالقبول والطاعة والاستسلام والانقياد.
الثالث والعشرون: الاعتصام بالله؛ يولد النصر المبين.
الرابع والعشرون: أمة الإسلام أمة ولود، تمرض، لكن لا تموت!
الخامس والعشرون: الأعداء يسعون جاهدين لإطفاء نور الله بأفواههم وأقلامهم وإعلامهم القذر، وصحفهم ومجلاتهم - التي يبثون فيها سموم أفكارهم -، ومناصبهم وكراسيهم، وجاههم وسلطانهم، ولكن "والله متم نوره ولو كره الكافرون".
السادس والعشرون: دين الإسلام دين الهدى والحق، والرحمة والعدل، وهو ظاهر عزيز - مهما طال ليل الظالمين - "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز". المجادلة.
هذا ما تيسر جمعه وبيانه، وصلى الله وسلم، وبارك وزاد وأنعم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى الآل والصحب والتابعين، وتابعيهم بإحسان وصدق وإخلاص إلى يوم الدين.
بأنامل/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
طبرجل- الاثنين ١٤٤٠/٧/١١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق