(واتعليماه)
في زحمة الحياة، وتسلل خيوط الظلام والجهل إلى النفوس؛ يأتي العلم؛ لينير البصائر، ويدل على الطريق، ويهدي إلى سواء السبيل، والمعلم هو المربي قبل كل شيء، وبه تصنع الحضارات وتشيد، وبدونه تضيع وتتبدد، نعم، فالمعلم صمام أمان؛ فهو حارس الأمة من الجهل والتخلف والفقر والمرض، فعلى يديه تنهض، وبه تتقدم، ومن تحت عباءته يتخرج المهندس والطيار، والطبيب والبيطار، والحداد والنجار، والقاضي ومفتي البلد، والشرطي والجندي؛ بل والوزير والملك؛ فهل حفظت كرامة من هذه منزلته ومكانته؟!!!
هل عرف له قدره؟ هل كرم كما ينبغي؟
هل سعي إلى تطويره وتدعيمه؟ هل دعم ماديا ومعنويا؟!!!
إننا بحاحة إلى مراجعة سلم أولوياتنا واهتماماتنا - إذا كنا ننشد الحضارة والتقدم والازدهار - فنلتفت إلى المعلم والتعليم قليلا، ونصفيه ممن لا يقدمون شيئا يذكر فيه، وأن نأخذ على أيدي المفسدين والعابثين والمستهترين، فللمعلم قيمته واعتباره، كما للطالب ذلك، فلا التفاف على النظام، ولا يجوز - بأي حال من الأحوال - التعدي على المعلم أو الطالب لفظيا أو جسديا، فالأمور تحل بالنظام، لا بالتعدي والفوضى والإجرام!!!
إنه لمن المؤسف أن يواجه المعلم صنفا من الطلبة اللامبالين، فترى في أثناء الحصة من يخرج جواله، وآخر يفصفص، وثالث يتحدث مع زميل له، وكأن حديث الأستاذ الكريم إلى الجدار، لا إلى هؤلاء الطلبة الأعزاء المكرمين، وإذا تعامل المعلم - بعد التوجيه والإرشاد - بالنظام، فسحب ورقة الاختبار ممن ضبطه وهو يغش، أو وجد الكتاب معه، أو رآه يتمتم لزميله؛ أطلقت عليه ألفاظ غير لائقة؛ فوصم بالتشدد، والتزمت، والعنف، وطولب بأن يكون لطيفا، متفهما، مستشعرا حالات الطلبة ونفسياتهم، فإذا راعى ذلك، وحصل الانفلات؛ عوتب في ذلك؛ فضاع التعليم بين معلم متشدد، ومعلم متساهل، وإنما على المعلم أن يتقي الله وحده، وأن يبين ذلك للطلبة، فالحقوق محفوظة، ومن جد وجد، ومن سار على الدرب وصل، وجنى الحصاد غير نادم، وعن قريب.
وقد كانت مباشرتي للتعليم في إحدى المدارس الأهلية في أول شهر صفر، وبدأت مستعينا بالله وحده، مستمدا منه العون والسداد، وكنت مترددا جدا في المضي في العملية التعليمية والتربوية؛ لما أشاهد من تدن في مستوى الطلبة علميا وأدبيا، فترى وتسمع الألفاظ النابية، والحركات المستهترة بقيمة المعلم ومكانته.
وإنني على هذا الحال - من التردد والتذبذب في الإقدام أو الإحجام - حتى حصل معي موقف هذا اليوم:
لما وزعت أسئلة اختبار مادة (تفسير ١) للصف/ الثالث الثانوي - وهو أربع شعب -؛ وقفت أتكلم عن المحظورات الأربعة: ( لا جوال، لا التفات، لا كلام، لا كتاب) ومن يخل بشيء من ذلك؛ فسيأخذ محضر غش، فضبطت تقريبا خمسة طلاب، بعضهم يلتفت ويكلم زميله، وبعضهم مخرج كتابه بين فخذيه - مع أنني قلت لهم: من أجد كتابه معه؛ فهو غاش -، وقد كنت حددت معهم للاختبار، واتفقنا على اختبارين - أول وثاني - وترصد الدرجة الأعلى، وكانت الأسئلة منوعة - موضوعية- مقالية، اشتملت على: عرف، أكمل، دلل، فسر - فمن باب التسهيل عليهم أكثر وأكثر؛ جعلت الخيارات الأربع بست عشرة درجة، والأربعة البقية يختار من المقالية ما يشاء؛ فيحله.
ومع كل هذا، فمن غش وضبطته؛ خرج من غير إذني من الحصة - ذاهبا للمشرف والوكيل - وكانوا أربعة تقريبا؛ ليشكيني، يقول: عشر دقائق لا تكفي لهذه الأسئلة؛ قال الوكيل: أنظمة الوزارة بأحقية تحديد المعلم للوقت...ومنهم - في شعبة أخرى - من قال بأنك لا تشرح؛ لأنه حصل على درجة غير مرضية؛ قلت: نعم! أشرح وبعضكم يتصفح الجوال، وتتكلمون فيما بينكم! ألم أقل لكم أن الأهم الفهم والتركيز؟! إنه بالفهم لما يطرح عليك لن تجد نفسك تعتذر في موقف عن ضعفك أبدا!
أما الموقف الذي أريد ذكره؛ فهو أنني لا أحب كثرة الكلام، وإعادة التوجيهات، وأن أسأل في الحصة الواحدة السؤال نفسه مكررا مرات كثيرة، وقد كنت طلبت منهم كتابة رقم الشعبة، فأحدهم لم يكتبها، فوجهته، ولمست رأسه لمسا فقط، وليس رأسه؛ بل شعره - وقد كان من أضبط الطلاب في الفصل من بداية الدراسة - فرفع رأسه من الورقة، وواجهني، وقد رفع صوته بأنه لا حق لك في لمس رأسي، ودفعني، وهددني: (موعدك في الطلعة!!!) فقلت له: استعذ بالله، وقلت قبلها: تأدب...تأدب...تأدب...وبعد تصحيح الأسئلة؛ سلمته ورقته، وقد حصل على ١٩ من ٢٠، فكأنه هدأ!!!
تحدثت مع الوكيل والمدير والمشرف؛ فسجلت الحادثة؛ ليحفظ للتعليم حقه، فحق التعليم ليس متعلقا بالمعلمين فحسب؛ فيجب حفظ سمعته ومكانته.
وسيستدعى ولي أمره، وسينظر في أمره، فقد خرق القانون الفيزيائي القائل: (لكل فعل ردة فعل، مساوية له في المقدار، ومعاكسة في الاتجاه!!!).
بقلم/
أبي عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
الأربعاء ١٤٣٩/٢/١٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق