الاثنين، 20 نوفمبر 2017

طريقة دراسة الكتب الستة؛ للعلامة الخضير

(من المنهجية في الحديث: الاختصار من أهم وسائل التحصيل؛ للعلامة الخضير)

فتبدأ بالصحيح وتقرأ الترجمة الكبرى، كتاب كذا، ثم الترجمة التي تليها باب كذا، هذه الترجمة التي ترجم بها البخاري من عنده هذا فقهه، وبه يتمثل الفقه السلفي، فقه أهل الحديث، فإذا أتيت إلى الحديث فـي الموضـع الأول، وقرأت ترجمة البخاري واطلعت على ما ساقه البخاري من آثار موقوفة ومقطوعـة عـن الصـحابة والتابعين في توضيح هذه الترجمة، كلام نفيس تستغني عنه وتقتصر على المختصرات؟
المختصر من وجهـة نظره رأى أنك لست بحاجة إلا إلى ما ذكر، لكن أنت قد تكون بأمس الحاجة إلى مـا حـذف، فـإذا قـرأت الترجمة وفهمت فقه البخاري، ثم فهمت فقه السلف الذي دعم به البخاري فقهه، ثم أتيت إلى الحديث المرفوع بسنده وأنت بحاجة ماسة إلى معرفة رجال الصحيح ليوفر لك الجهد إذا مر عليك هؤلاء بكتـابٍ لـم تلتـزم صحته، أنت عندك حديث في مسند أبي داود ما تدري هو صحيح وإلا لا؟ لكن تعرف أن هؤلاء الرواة مـن رواة الصحيح، مروا عليك وأنت تدرس صحيح البخاري، لكن لو اقتصرت على المختصر ما استفدت، إذا ما أمسكت الحديث الأول بهذه الطريقة ثم ذهبت إلى أطرافه والحمد الله الكتاب مخدوم، الحديث الأول خرج فـي
سبعة مواضع، ترجع إلى هذه المواضع، شوف تراجم البخاري على هذا الحديث، واستنباط البخاري من هـذا الحديث، وهذا فقهه، استنبط من الحديث فوائد كثيرة جداً، أودعها في هذه التراجم، ودعم هذا الفقه بفقه السلف من الصحابة والتابعين، وأردفه بالحديث المرفوع، ولا يمكن أن يكرر البخاري حديثاً بإسـناده ومتنـه فـي موضعين إلا نادراً، يعني في عشرين موضع فقط، يعني خمسة آلاف أحاديث مكررة، ما فيهـا مـا كـرره البخاري بإسناده ما فيها إلا عشرين فقط، وأما الباقية فلا يكرر حديث إلا لفائدة، سواء كان في متنـه أو فـي إسناده، ولو في صيغ الأداء، فتجده أحياناً يقول: عن فلان، وفي الموضع الثاني يقول: حدثنا فـلان، طالـب العلم بحاجة ماسة إلى معرفة هذه الأمور، إذا كان يريد أن يكون طالب علم بحق.
إذا انتهيت من اختصار البخاري على هذه الطريقة، أنت الآن اطلعت على المواضع السبعة واختصرت علـى أوفاها، وصار علمك بما حذفه المختصر كعلمك بما أثبت، هذه من أعظم وسائل التحصيل، العلم يحتاج إلـى معاناة وحفر في القلوب، لا يقول طالب العلم: أن هذه الطريقة في البخاري وحده تحتاج إلى سنة، نعم تحتـاج إلى سنة، لكن كثير على البخاري أن يصرف فيه سنة؟ ليس بكثير على البخاري أن يصـرف فيـه العمـر، فضلاً عن سنة.

إذا انتهيت من الحديث الأول تأتي إلى الحديث الثاني، الحديث الأول من وافق البخـاري علـى تخريجـه إذا أردت أن تدرس الكتب الستة في آنٍ واحد، أو تقول: واالله الآن أدرس البخاري إلى أن أنتهي منه وأرجع إلـى مسلم، الأمر إليك، لكن إذا أردت أن تدرس الكتب الستة في آنٍ واحد ولا تستكثر أن تصرف عليهـا خمـس سنوات، والمسألة مفترضة فيه من ضمن حفظ القرآن، والقرآن أيضاً يحتاج إلى شيء مـن المعانـاة لفهمـه وتدبره، ومراجعة التفاسير الموثوقة عليه، ومعرفة إعرابه وبيانه، وما ورد في تفسيره من أحاديـث وأقاويـل سلف هذه الأمة، القرآن يحتاج إلى معاناة، لكن نحن نمثل الآن بالحديث.

إذا درس البخاري وحده -والأمر إليه- يأتي إلى مسلم، فما خرجه البخاري وعندي أن طالب العلم المتأهـل للاختصار يبدأ بالكتب الستة جميعاً، فإذا عرف الحديث الأول في الصحيح وجمعه فـي مواضـعه السـبعة، واختصر منها على أوفاها، وذكر التراجم كلها، وذكر أقاويل السلف المدعومة لهذه التراجم، واقتصـر علـى أوفى المتون، وعرف ما حذف كمعرفته بما أثبت وأبقى، ينظر من وافق البخاري وخرج هذا الحديث كمسـلم مثلاً، ويصنع بهذا الحديث عند مسلم كما صنعه في البخاري، ويشير إلى ذلك في صحيح مسلم إلـى أن هـذا الحديث تمت دراسته، ويأخذ من الزوائد، زوائد العلم النبوي علم الحديث في صحيح مسلم ويضيفها إلـى مـا دونه في مختصره للبخاري، ويقول: زاد مسلم كذا، في الأسانيد كذا، في المتون كذا، في صـيغ الأداء كـذا، ترجم عليه شراح مسلم بكذا؛ لأن مسلم ما ترجم الكتاب، وهذا من أفضل الطرق التي يدرس بها علم الحديث حتى يستوعب البخاري ومسلم، ثم ينظر فيمن وافقهما من أصحاب السنن، ويفعل به ويصنع معه نظيـر مـا صنعه بالصحيحين، ولا ينتهي من الكتب الستة بهذه الطريقة، إلا وعنده كتاب في عشرة مجلدات مـثلاً، فيـه الكتب الستة بكاملها، من غير تكرار بطريقته هو، وبالمعاناة يرتقي العلم وينحفر العلم في قلبه.

أما مرور الكرام مجرد قراءة سريعة أو اعتماد على مختصرات آخرين.

مختصـر الروضة للطوفي، أو مختصر التحرير...هما من أمتن كتب الأصول وأمتعهما...

اختصار/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.

الاثنين ١٤٣٩/٣/١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق