الاثنين، 27 يوليو 2015

مدارج الطالبين في الترقي في علوم الدين

فيض الخاطر- (مدارج الطالبين).

                                                            بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمدلله المتصف بالعلم المطلق الكامل، والصلاة والسلام على النبي الأمي الخاتم، وعلى الآل والأصحاب، وتابعيهم بإحسان إلى يوم المآل والحساب.           أما بعد

لا ريب أن العلم درجات، وأن أصحابه فيه متفاوتون، فمنهم المبتدئ الذي لتوه لم يتصور المسائل بأدلتها، ومنهم المتوسط، ومنهم المنتهي ـ وهنا نهاية نسبية لا مطلقة ـ فالعلم بحر لا ساحل له، ومن ادعى رسوه عليه فقد أتى بالقبيح المستهجن؛ بل أتى بالعجاب؛ لأنه يدعي أنه حاز كمالية العلم، وليس لأحد ذلك إلا الحق ـ سبحانه ـ "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". الإسراء. "وقل رب زدني علما". طه.لذلك على المسلم الصادق أن لا يدع لرغبات النفس الأمارة بالسوء العنان، فتفتره عن طلب العلم، والجد فيه؛ بل يسعى ـ وبلا ملل أو ضجر ـ في الوصول إلى مرحلة الإبداع، وهي ليست ـ فقط ـ معرفة المذاهب والعلوم بعموم؛ بل الغوص والتعمق والتخصص في جهة ما من جهات العلوم والمذاهب والمعارف هو السبيل الأيسر والأقرب والأنجع للإبداع والنبوغ.

وهنا نتساءل: ما هو الطريق الأيسر للوصول لمرحلة الإبداع والنبوغ العلمي؟ وما هي المنهجية في طلب العلم الشرعي؟

فالجواب كالآتي:

إن للعلوم مداخل ومفاتح، كما أنها درجات، فمنها كالوديان سهلة واسعة، فهي سهلة من حيث تسلسل الأفكار وتقاربها، وهي واسعة من جهة ما ينصب فيها من معلومات كثيرة، ومنها كالجبال شامخة صلبة، فلا تستطاع بالقوة والتعجل؛ بل لابد من التريث والأناة والحكمة، ومنها كالأرض المنبسطة الواسعة، وفي كل الأحوال نستصحب ثلاثا: الحكمة، والأناة، والصبر، فإن العلم أشواط، وأصحابه في مضمار عواقبه حميدة جليلة، إن تعلقوا بالله، ولم يلتفتوا لغيره، وطرحوا عن أنفسهم أردية العجب والفخر والخيلاء، وأفردوا الله بالعز والقوة والملك والكبرياء، وابتغوا رضاه، وقدموه على أهوائهم وكل محبوب، من أب أو أم أو صاحب أو جار أو قريب، ولم يخشوا في الله لومة لائم، وكانوا أذلة على المؤمنين، رحماء بينهم، أعزة على الكافرين، يجاهدون الأعداء الظاهرين والمتسترين والمتلبسين بلباس الدين في كل ميدان بكتاب الله، وسنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويتمسكون بمنهج علماء السلف الصالح وتابعيهم بإحسان، ولا يدعون نوبات الدهر تضعضعهم، ولا يتركون للأعداء الشماتة بهم، فهم أعزة أنوف، والمبتدعة الجلاد حطام أذناب "ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟!!".

ومن البديهي والمعلوم عند المشتغلين بالعلم على وجهه الصحيح: أن العلوم والمعارف لا حد لها، وأن العلم بحر لا ساحل له، وأنه كذلك "نقطة كثرها الجهال". فهو سهل ميسور على من وفقه الله لمرضاته؛ فإن الله ـ جل وعلا ـ وصف العلماء بخشيته ـ سبحانه ـ "إنما يخشى الله من عباده العلماء". فاطر. ولم يأمر ـ جل جلاله ـ بالاستزادة من شيء كما أمر بالاستزادة من العلم "وقل رب زدني علما". طه.
تتجلى سهولة العلم في الأخذ به من أوله، وعدم إضاعة الأوقات فيما لا طائل من ورائه، فيبتدأ به من أوله، وينتهج له منهجا في ذلك يسلكه، ولا نقول: يلتزمه ولا يحيد عنه أبدا؛ فإن لكل مشربه، وطاقات الكل تتمايز، فمنهم النشيط الجاد، ومنهم الكسول الفتور، ومنهم بين ذلك.
ولقد وضع العلماء في منهجية طالب العلم الشرعي أسسا وإرشادات، وممن اطلعت على تآليفهم في ذاك:
الشيخ الدكتور/ صالح بن عبدالله العصيمي. المدرس بالحرمين الشريفين، وله دروس كثيرة ماتعة في فنون متعددة.
الشيخ الدكتور/ عبدالمحسن القاسم. إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
الشيخ/ ذياب الغامدي. قدم له العلامة ابن جبرين.
وفي نظري أن "متون طالب العلم" التي حققها ورتبها الشيخ/ عبدالمحسن القاسم هي الأجود والأفضل والأسهل؛ حيث قسمها إلى خمسة مستويات، مشتملة على ثمانية عشر متنا، وراعى فيها التدرج في الحفظ مع تنوع الفنون.
وإليك بيان هذه المتون ومستوياتها:-
المستوى الأول:
1- نواقض الإسلام. 2- القواعد الأربع. 3- الأصول الثلاثة وأدلتها. 4- الأربعون النووية.
المستوى الثاني:
1- تحفة الأطفال والغلمان في تجويد القرءان. 2- شروط الصلاة وأركانها وواجباتها. 3- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
المستوى الثالث:
1- منظومة البيقوني. 2- منظومة أبي إسحاق الإلبيري. 3- المقدمة الآجرومية. 4- العقيدة الواسطية.
المستوى الرابع:
1- الورقات. 2- عنوان الحكم. 3- الرحبية. 4- العقيدة الطحاوية.
المستوى الخامس:
1- بلوغ المرام. 2- زاد المستقنع.3- ألفية ابن مالك.
كما أنه ـ وفقه الله ـ وضع شروحات مقترحة للمتون، وبيانها كالتالي:-
المستوى الأول:
1- نواقض الإسلام. شرح نواقض الإسلام؛ لصالح الفوزان. 2- القواعد الأربع؛ له أيضا. 3- الأصول الثلاثة وأدلتها. حاشية ثلاثة الأصول؛ لابن قاسم. 4- الأربعون النووية. جامع العلوم والحكم؛ لابن رجب.
المستوى الثاني:
1- تحفة الأطفال. فتح الأقفال شرح تحفة الأطفال؛ للجمزوري. 2- شروط الصلاة. شرح آداب المشي إلى الصلاة؛ لمحمد بن إبراهيم. 3- كتاب التوحيد. حاشية كتاب التوحيد؛ لابن قاسم.
المستوى الثالث:
1- منظومة البيقوني. شرح منظومة البيقوني؛ لحسن المشاط. 2- المقدمة الآجرومية. شرح المقدمة الآجرومية؛ لمحمد بن عثيمين. 3- العقيدة الواسطية. شرح العقيدة الواسطية؛ لمحمد بن إبراهيم.
المستوى الرابع:
1- الورقات. شرح الورقات؛ لعبدالله الفوزان. 2- الرحبية. حاشية الرحبية؛ لابن قاسم. 3- العقيدة الطحاوية. شرح العقيدة الطحاوية؛ لابن أبي العز.
المستوى الخامس:
1- بلوغ المرام. منحة العلام؛ لعبدالله الفوزان. 2- زاد المستقنع. حاشية الروض المربع؛ لابن قاسم. 3- ألفية ابن مالك. شرح ابن عقيل.
وأرشد ـ حفظه الله ـ إلى قراءة هذه الكتب، مرتبة حسب المستويات، وبيانها كالآتي:-
المستوى الأول:
1- التبيان في آداب حملة القرءان؛ للنووي. 2- الوابل الصيب من الكلم الطيب؛ لابن القيم.
المستوى الثاني:
1- الكبائر؛ للذهبي. 2- الفصول في سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لابن كثير.
المستوى الثالث:
1- الجواب الكافي؛ لابن القيم. 2- العبودية؛ لشيخ الإسلام.
المستوى الرابع:
1- حادي الأرواح؛ لابن القيم. 2- صيد الخاطر؛ لابن الجوزي.
المستوى الخامس:
1- تفسير القرءان العظيم؛ لابن كثير. 2- زاد المعاد؛ لابن القيم.
هكذا في تناسق بديع، وترتيب عجيب.
والمعول عليه:
الإخلاص لله في كل حركة وسكون، وتفقد النية كل آن وحين، وكذلك الصبر والمصابرة، والجد والمرابطة، والاجتهاد والمثابرة، والمدارسة والمذاكرة، والحفظ والمراجعة، والسير على خطى ثابتة، وعدم التفات القلب، والحرص على الأذكار والأوراد الشرعية، وقبل ذلك حفظ كتاب الله وتفهمه، والعمل بالعلم، والحرص على أن تتخلق بأخلاق الله؛ لتكون ربانيا، وتحذر الأخلاق الردية؛ ليكون العلم شاهدا لك لا عليك، والقرءان الكريم حجة لك لا عليك.
كذلك مما ينبه عليه:
الحرص على حضور حلق الذكر والعلم للعلماء المعروفين بسلامة المنهج والاعتقاد، وعدم الاعتماد على الكتب والأوراق؛ لأن "من كان شيخه كتابه؛ كان خطؤه أكثر من صوابه"!!
وعليك ـ طالب العلم ـ أن تقرأ لمن كتبوا في المنهجية في طلب العلم الشرعي، وكتاب "حلية طالب العلم" لبكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ مما لا يستغني عنه مشتغل بالعلم.
والله ربي يعلم القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
كتبه: أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض بن تركي بن راجح المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
30/10/1436