الخميس، 7 يونيو 2018

وإن تعجب فعجب ٨

(وإن تعجب فعجب ٨)

ومن عجائب وغرائب زماننا:
قول أحدهم على وسائل الإعلام المرئي، وأمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد بأحكام خرق فيها الإجماع، ولبس على المسلمين دينهم!
من ذلك:
قوله وفتواه بالتفريق في الغناء بين ما يثير الشجن وما لا يثيره!
وفتواه بأن موسيقى فواصل الأخبار، والإعلانات، والسلام الملكي الخ؛ أنها جائزة؛ لأنه لا يملك دليلا من القرءان الكريم ينص على حرمة ذلك!
فالرد يكون عليه من وجوه:
أولا: وقع الإجماع قبله على تحريم آلات اللهو والطرب، وللعلامة المحدث/ محمد بن ناصر الدين الألباني - رحمه الله - كتاب في هذا - اسمه تحريم آلات اللهو والطرب - يقرر الإجماع ويرد على ابن حزم ومتبعيه.
وقد قال رب العزة والجلال في كتابه المبين: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا). النساء.
ودليل الإجماع مقدم على دليل الكتاب والسنة؛ لأنهما ثبتا بالإجماع أصلا!
فالمسألة - إذن - مجمع عليها؛ فلا داعي للخوض فيها.
ثانيا: من أين له الدليل على التفريق بين أنواع الغناء والموسيقى؟!
ليس له إلا ما يستحسنه برأيه،  ويراه بعقله!
ثالثا: طعنه في حديث: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وقد علقه البخاري ووصله ابن حجر - كما يقول -؛ حيث طعن فيه من وجوه:
أولها: قال لفظ الحر ليس من ألفاظ القرءان الكريم ولم يأت في السنة النبوية في غير هذا الموضع؛ فالحر يعبر عنه بالزنا، فهذا الاستشكال الأول.
ثانيا: استشكاله المعازف كيف تضم مع الخمر والزنا - وهما بنص القرءان والسنة محرمان - والمعازف لم يأت النص عليها!
ثالثا: رده العقلي للحديث في كونه يخسف بهما، ويكون مسخ وقذف؛ يقول: إذا كانوا مؤمنين كيف يقع عليهم ذلك؟!!!
والرد على هذه الاستشكالات والطعون الباطلة ما يلي:
أولا: قال - عليه الصلاة والسلام -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهمن كثير من الناس؛ فمن اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام...).
ويقول الله - جل وعلا-: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). الحشر.
فدعوى عدم النصية على تحريم الغناء في القرءان باطلة؛ لأنه نص بطريق اللزوم على تحريمه؛ حيث ثبت في السنة، والسنة - كما هو معلوم - مبينة لما أبهم القرءان، مفصلة لما أجمل، مقيدة لما أطلق، موضحة لما أشكل، قال رب العزة والجلال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتذكرون). النحل.
وعلى كلامه فنقول: وكذا الصلاة - عدد ركعاتها، وعددها من حيث هي في اليوم والليلة - وأنصبة الزكاة، ومفطرات الصيام، وحد الخمر الخ؛ كل ذلك لم يأت في القرءان؛ بل جاء في السنة مفصلا!
وكلام مثل هذا؛ فإنه يضاهي كلام من يدعون أنهم "قرءانيون" تلك الفرقة الخبيثة المارقة الكافرة، التي لا تأخذ بالسنة، وتقول: كفايتنا في القرءان! وينطبق عليهم قول المعصوم - صلوات ربي وسلامه عليه - حين قال: (ألا لا ألفين أحدا منكم جالسا على أريكته يقول: ما جاء في القرءان أخذنا به، وما لم يجئ تركناه، ألا وإني أوتيت القرءان ومثله معه). الحديث بمعناه.
ثم إنه - لما سبق ذكره -؛ قد تقرر عدم جواز تقحم المشتبهات؛ فمن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام، كيف والمسألة مجمع عليها؟!
وكيف يليق نشر مثل هذا في مجتمع إسلامي محافظ - ومثله كشف الوجه؛ مع أنه وقع الإجماع على حرمة كشف المرأة الفاتنة لوجهها ؟!-.
الرد الثاني: رده العقلي للحديث في كونه يخسف بهم الخ مع كونهم مؤمنين!
فنقول:
والمؤمنون ألا يقع عليهم العذاب؟ ألم يهزم صحابة خير الثقلين - صلوات ربي وسلامه عليه - في أحد؟!
وقد صح الخبر أنه يخسف بجيش - يريد غزو الكعبة - عن آخره، فاستشكلت ذلك الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنها وعن أبيها وعن من ترضى عنهما -: كيف يخسف بهم وفيهم المجبر ومن جمعهم الطريق؟!
فقال - عليه الصلاة والسلام -: يبعثون على نياتهم.
فنرى في فتوى الرجل ما يلي:
١- تعظيمه العقل، وإعماله في ما لا طاقة له به.
٢- القول بالرأي والاستحسان في مسائل وقع الإجماع فيها من قبل.
٣- القول بما يفضي - بسالكي مسلكه - إلى الوقوع في المشتبهات.
٤- إثارة البلبلة والاضطراب في مجتمع إسلامي محافظ، متدين بفطرته، في مسائل هو في غنى عنها.

حرره/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
الخميس ١٤٣٩/٩/٢٢.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق