(تجربتي في النظام الغذائي، والصيام الطبي)
في يوم من الأيام أجري لقاء مع أحد أشهر الدعاة إلى الله، ألا وهو فضيلة الشيخ د/ سعيد بن مسفر القحطاني - حفظه الله ورعاه - على أحد القنوات الفضائية، فرأيته مسجلا، ومما جاء فيه:
أن فضيلته من عشرين عاما قد خصص له برنامج غذائي متكامل، وأخبر بأنه من عشرين عاما لم يراجع المستشفى، وأنه بصحة وعافية، وعمره قد ربى على السبعين، ومن يراه؛ يرى هذا، وهو أن من يراه يحسب أن عمره أقل من الخمسين؛ فإنه - متعه الله بالصحة والعافية - قد أعطي نشاطا وحيوية، وهذه منحة ربانية، وعطية إلهية، وهي من اتباع القاعدة النبوية (بحسب ابن ءادم لقمات يقمن صلبه؛ فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، وقد قيل: (البطنة؛ تذهب الفطنة) و (لحوم أهل العلم غير سمان)؛ فإن الجوع يكسر النفس، ويعود الصبر، ويكسب الثقة، ويطرد الأخلاط المردية للصحة الإنسانية، ويهذب النفس، ويذكر بالفقراء والكاسفين والمحرومين والمعدومين، وهو جنة عن الأمراض، ووقاية للإنسان، ويساعد في قوة التركيز، ودقة الملاحظة، وذلك كله بخلاف (البطنان) أي: الذي يكثر الأكل والشرب؛ فإن كثرة الأكل والشرب يحتاج بها الإنسان إلى إخراج الفضلات، ويقل بها التركيز؛ لأنه يقل وصول الدم إلى الدماغ؛ لأنه في عملية التهضيم، ولذلك يأتي الملل، ويحل الخمول الكسل، ويأتي النوم، فأيهما يفضل العاقل اللبيب؟ أيكون متقللا في أكله وشربه؟ أم يكون مكثرا بطنانا؟ ولا ريب أن الناس متفاوتون في هذا، فمنهم من يكون أكله قليلا، ومنهم من يكون كثيرا، ومنهم بين بين، والأسلم والسنة أن يكون المسلم متقللا في أكله وشرابه وسائر المباحات؛ حتى لا تصل بالنسبة له إلى الضرورة؛ فإذا فقدها؛ ارتكب من أجلها الحرام، فمن أكثر من المباح؛ أوشك أن يقع في المكروه، ومن وقع في المكروه؛ يوشك أن يقع في الحرام، ومن وقع في الحرام؛ تجرأ إلى ما بعده من الكبائر والموبقات؛ حتى يشرب قلبه ويألف المخالفة، والعلة في كل بلية هي عدم اتباع القرءان والسنة، فتدبر هذا؛ تجد أنه كلما انفتحت الدنيا على الناس؛ انفتحت عليهم كثير من الآفات والمصائب والشرور، حتى إنك ترى في عصرنا هذا - مع التطور المهيب الذي يشهده العالم في كافة المجالات؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية -؛ كثرة المستشفيات والعيادات الطبية المختلفة - من باطنة، وعظام، وعيون الخ -، وقد قيل: (المعدة بيت الداء) أي: مستودع الأمراض؛ فما يأكله الإنسان يتأثر تباعا به - على المدى القريب أو البعيد -؛ فمن كان متقللا من كل ذلك، وكان يتوخى - يختار - الأكل والشراب الصحي، وينظم وقته، ويقسم جهده وطاقته، ويركز في عمله؛ فليهنه ذلك، ومن كان غير ذلك، وينام على كثرة الأكل والشرب، ويكثر من السهر، ويتعب نفسه، ويكد ذهنه، ويشتت تركيزه في النظر فيما هو ليس مكلف به؛ بل يأثم عليه؛ كمن يضيع أوقاته في متابعة الإعلام بكل صوره وأشكاله - من مرئي ومسموع ومكتوب -؛ فلا يلومن إلا نفسه، وفي الحديث: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع...) ومنها: (عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه، ومن أين أنفقه) فليعقل هذا من له عقل، وليتمسك به من له أدنى بصيرة؛ فإن به النجاة في الدنيا والآخرة.
وقد سمعت للشيخ العلامة المحدث الإمام، مجدد علم الحديث في العصر الحديث/ محمد بن ناصر الدين الألباني - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وأعقب له في ذريته خيرا - مقطعا مسجلا على اليوتيوب، يقول: أنه عندما كان في الشام وكان به مرض؛ قرأ كتابا مترجما لأحد الغربيين، يتحدث فيه عن (الصيام الطبي)، فعزم - رحمه الله تعالى - على تطبيق ذلك، وتوكل على الله في ذلك، وصام أربعين يوما على الماء؛ لا يدخل جوفه غير الماء، ونقص من وزنه عشرون كيلو تقريبا، ثم ذهب إلى الطبيب؛ فأخبره زوال المرض بنسبة كبيرة، وسأله السبب؛ فأخبره أنه صام على الماء أربعين يوما.
والناس في هذا متفاوتون؛ فمنهم من يستطيع صيام خمسة أيام على الماء، ومنهم من يستطيع إلى خمسة عشر يوما، ومنهم من يقدر على أربعين.
ولا بد أن يكون هذا الصوم الطبي ليس مفاجئا أو صادما للجسم؛ بل يؤخذ بالتدرج، فمثلا:
تصوم أولا عن العشاء لمدة شهر، ثم عن الغداء، ثم تصوم الشهر الثالث على الخضار والفواكه، ثم في الشهر الرابع تبدأ الصيام على الماء، ومن البدهي أن تشعر بالتعب والإرهاق، ولكن إذا خشيت على نفسك وشعرت بعدم تمالك نفسك عن السقوط - مثلا - أو لا تستطيع التركيز أثناء القيادة؛ فتوقف عند هذا الحد، ولتراجع الطبيب في ذلك.
وقد بدأت - ولله الحمد والمنة والفضل والإحسان - بهذا - عندما سمعت الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني والشيخ الألباني - يتحدثان عن تجربتهما الشخصية، وأنهما وجدا فائدة كبيرة في هذا، فابتدأت - أول أمري - بترك المشروبات الغازية بجميع أنواعها وأصنافها، ثم بعد أربع سنوات في شهر جماى الثانية من العام ١٤٣٩ في يوم الثلاثاء، بتاريخ ٦/٢٦ وضعت لنفسي نظاما غذائيا متكاملا، وهو أن يكون الإفطار على ثلاث تمرات خلاص القصيم، وملعقة كبيرة مكسرات بالعسل، وزيت الزعتر مع عسل السدر الكشميري الأصلي - يخلط مع ماء فاتر - مفيد للحلق والصدر، وطارد للبلغم.
وأما الغداء والعشاء؛ فعبارة عن الخضار والفواكه.
مع الإكثار من شرب الماء.
وقد وجدت فائدة هذا في صفاء الصوت وقوته، مع قصر المدة المستعمل فيها هذا النظام الغذائي المتكامل.
أما المكسرات؛ فتعطي طاقة للجسم ونشاطا وحيوية؛ فبها بروتينات، وهي لمن يريد المتانة أيضا.
وفي بداية خمسة أيام من نهاية شعبان؛ أبدأ بالصيام الطبي.
نسأل الله إتمام الصحة والعافية علينا وعلى المسلمين جميعا.
بقلم/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
الجمعة ١٤٣٩/٦/٢٩.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق