الأحد، 23 أبريل 2017

من تجربتي في خطبة الجمعة

(من تجربتي في خطبة الجمعة)

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

ثم أما بعد

لخطبة الجمعة هيبة، وذلك أن المنابر تعرض عليها العقول، فالمتحدث للناس إنما يعرض عقله عليهم بكلامه وإفهامه وتأثيره وبديهته.

وكثير من يرتقي المنابر وليس معه الأدوات التي تؤهله لذلك؛ فتراه يرفع المنصوب، وينصب المرفوع، ويأكل بعض الحروف، ولا يكاد يبين.

تراه يلتفت كثيرا، ولا يأخذ بالسنة؛ فيطيل الخطبة، ويمل المستمعين بكثرة ترداده، ورفع صوته على وتيرة واحدة؛ فلا يراعي مقامات الجمل، فيريد أن يشوقك إلى الجنة بصراخه، وينفرك من النار ببروده، ولم يكن هذا من هدي حبيبي وسيدي وقائدي وإمامي وقرة عيني - صلوات ربي وسلامه عليه -؛ بل كان بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - يتخول صحابته الكرام - رضوان الله عليهم - بالنصيحة؛ فلا يشق عليهم بكثرة العرض على أسماعهم؛ فلذلك يتشوقون لنصائحه؛ لأنها تراعي حالات الناس، ومقامات الأحوال؛ فهي ليست بطويلة تنفر الناس من الحضور - أو الاستماع على الأقل -، ومراعا فيها جوانب اللغة العظيمة، كل ذلك في غير مبالغة أبدا، وإذا خرج الكلام من القلب؛ وقر في القلب، ولا يسمع الناس لمناقض في أقواله أو فعاله؛ فمن ينصح عن الغيبة ثم تراه مغتابا مع المغتابين، أو من ينصح عن الاغترار بسراب الدنيا؛ فتراه مع اللاهين الساهين، أو من ينصح بكظم الغيظ ثم لا يكظم غيضه، ولا يضبط غضبه؛ فهذا قد ناقض نفسه بنفسه، وإنما يوبخ نفسه بحديثه للناس!

أما بخصوص وقت الخطبة وطريقة الأداء:

١- الذي أفضله وأعمله أحيانا أن تكون الخطبة ارتجالا؛ فهذا أدعى للهيبة والإنصات، ودلالة على بديهة المتحدث.

ومما جربته في هذا ونفعني الله به، أني كنت في بادىء الأمر أكتب الخطبة، وأحيانا تكون في صبيحة يوم الجمعة، وأغلب الأحيان تكون في أثناء الأسبوع، ثم ألقيها نظرا، ثم بدا لي - وهذا بعد أول صعودي للمنبر بتسع سنوات، وكان أول صعود لي للمنبر عام ١٤٢٩ - أن ألقي خطب الجمعة ارتجالا لا من الورق، فوجدت في أول الأمر مشقة، فكنت أكتب ما أريد إلقاءه؛ لأحفظه، ثم ألقيه، والورقة في يدي، ولمرة أو مرتين أسترق النظر في الورقة، ثم في الخطبة الرابعة - تقريبا - وجدتني مستغنيا عن هذه الأوراق، فكنت أعمد إلى كتاب - مثل رياض الصالحين؛ للنووي رحمه الله - فأحدد ما أريد الحديث عنه، ثم أحفظ ما في الباب من الآيات والأحاديث، متفهما لمعانيها، فبذلك تم ما أريده، وأصبحت خطبة الجمعة أقرب إلى السنة، فلا تتجاوز قدر الصلاة غالبا، وكان مجموع وقت الخطبة مع الصلاة ثلث ساعة ليس أكثر من ذلك، وإن كنت أطمع في التركيز أكثر من المعتاد؛ فأحيانا تسقط كلمة أو جملة، وإنما على الإنسان أن يبذله: هو المجاهدة والصبر، فبهما تستسهل الصعاب!

٢- أن تكون الخطبة مركزة في موضوعها بلا تشعبات؛ فهي ليست كالمحاضرة أو الدرس.

٣- أن تكون الخطبة قصيرة والصلاة طويلة.

بمعنى:

أن تكون الخطبة بالنسبة إلى الصلاة قصيرة؛ فإذا كانت الصلاة من السنة أن يقرأ فيها بالأعلى والغاشية، أو الجمعة والمنافقون؛ فعلى الخطيب التزام السنة، والترتيل، وعليه؛ فإنه إذا طبق السنة في قراءة الجمعة والمنافقون؛ فإن ذلك يستغرق منه - تقريبا - ربع ساعة؛ فتكون الخطبة أقل من ربع ساعة، وكذلك الأعلى والغاشية؛ تستغرق عشر دقائق تقريبا؛ فتكون الخطبة أقل من عشر دقائق.

ولكل مقام مقال، وهذه السنة، والناس تمل من كثرة الحديث، ويسترعي آذانها قلة الحديث مع التركيز والتفاعل.

والله تعالى أعلم.

كتبه/
عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.

ليلة الخميس ١٤٣٨/٧/٢٣.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق