الجمعة، 20 يناير 2017

من أنفع الأشياء للعبد

(من أنفع الأشياء للعبد).


لا شيء أنفع للعبد من إخلاصه للمعبود، وإحسانه لنفسه والخلق، وتواضعه في جميع أموره، وهضم نفسه حقها فيما بينه وبين الناس، فلا يرى له عليهم فضلا ومنة؛ بل يحسن إليهم ابتغاء الله والدار الآخرة، وإحسان الله إليه في موقف الحشر والقيامة، يوم تزل الأقدام، وتزول الأملاك؛ فلا ملك حينئذ إلا للملك الواحد القهار، الذي بيده تصاريف الليل والنهار.


ولا شيء أنفع للعبد - مع ما سبق - من استحضار كونه يعيش في امتحان عظيم، والجزاء عليه أعظم وأعظم، فلا يفوتن سبيلا يسلكه إلى مرضاة الله ومحابه؛ فيغتنم أيام عمره وشبابه؛ بل ساعاته ولحظاته؛ فإن العمر قصير، والتفريط كبير، وإنما الحياة الدنيا كلها ساعات ودقائق وثوان، فيا لخسارة المفتونين، ويا لعظم ما يصيرون إليه من الغبن والندم - ولات ساعة مندم -!

ولا شيء أنفع للعبد - مع ما سبق - من محافظته على الصلوات، وإتقانه في العبادات، فلا ينصرف بقلبه إلى حطام الدنيا وزخرفها؛ بل يخشع ويذل ويخضع بين يدي مولاه العظيم، الذي أنعم بنعم لا يحصيها محص، ولا ينعم بها إلا الكريم - جل جلاله -.


ولا شيء أنفع للعبد - كذلك - من تفكره في أمره ومآله، وإطلاق بصره في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله؛ ليعتبر وينزجر، ويعلم أنه مخلوق جد ضعيف، مخلوق حقير، لو لا لطف الله وتكريمه الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل؛ فإذا انحط عن الاشتغال بما خلق من أجله - وهو توحيد الله وعبادته وتعظيم أمره ونهيه -؛ صار ذليلا حقيرا مهانا؛ فإنما التكريم على قدر التقوى والصلاح.


ولا أنفع للعبد - كذلك - من تزوده من المعارف النافعة، والعلوم الطيبة المباركة، والأخلاق الحسنة الفاضلة، وتعلم العلم وتعليمه الناس؛ فإن شأن العلم شأن عظيم، وهو بمنزلة غير خافية على المشتغلين به، والذين يقرؤون  كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن له عند الله المكانة العالية، حتى استشهد - سبحانه - أولي العلم على وحدانيته وقيامه بالقسط!


كذلك من أنفع الأشياء للعبد أن يكون ذا همة عالية، ونفس تواقة، وطاقة متجددة، متقدة دوما، فلا ييأس - أبدا - من الفرج والفلاح؛ بل يفوض أموره إلى من بيده مقاليد الأمور، وتصاريف الدهور - سبحانه وبحمده -.


من أنفع الأشياء للعبد - أيضا - أن يكون ذا بصيرة وعلم، وعلى هدى وتقى وزهد، وأن لا يغتر بكثرة الهالكين، وأن يسأل الله بإلحاح الثبات على الدين الحق؛ فإنه نعم المولى ونعم النصير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


من أنفع الأشياء للعبد - كذلك - أن يعرف عدوه المبين، الذي أخرج أبويه من الجنة وهما يريان النعيم المقيم في جنات الخلود؛ لينجو من شراكه المنصوب للسالكين، وليعلم - علم اليقين - أنه لا فلاح ولا نجاح ولا نجاة بدون الفرار إلى الله من الشيطان الرجيم، والاعتصام به - سبحانه وتعالى -؛ فإنه خير عاصم ومعين، وهو الركن الشديد، والملجأ الآمن، فيا فوز المستعصمين المنيبين، ويا لخسارة المفرطين المضيعين.


من أنفع الأشياء للعبد - مع ما سبق بيانه - أن يوقن - يقينا جازما لا مرية فيه - أن النفع والضر بيد الله وحده لا شريك له أبدا، وأنه - سبحانه - خالق الأسباب ومسببها؛ فلا يلتفت لأحد غيره - جل وعلا -، ولا يخش إلا الله، ولا يرجو إلا إياه، ولا يقدم أحدا على مرضاته واتباع رسوله في كل صغيرة وكبيرة، دقيقة وجليلة.


أيضا من أنفع الأشياء للعبد في سيره إلى الله أن يتخذ له رفقة صالحة تعينه في طريقه، وتبصره بعيوبه، وتذكره إن غفل، وتعلمه إن جهل، وترشده السبيل السوي إن ضل، وتعيده إلى ربه إن مال وزل، وخاض مع الخائضين، وكذب بيوم الدين - بلسان حاله أو مقاله -!!!


كذلك مما ينبه عليه أن يكون ذا صلة وثيقة بالعلم والعلماء؛ فإنهم منارات هدى، وأعلام هداية وإرشاد، المغبون من حرم الاستفادة من علمهم وأدبهم، وسمتهم ودلهم، والفائز - حقا - من لزم غرزهم، واتبع هديهم  وطريقتهم؛ فإن الله أمر بالرجوع إليهم، وسؤالهم حين وقوع الإشكال وعدم العلم؛ فقال في محكم آياته: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).


وقال: (...ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم...).




بقلم/

عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.

الخميس ليلة الجمعة ١٤٣٨/٤/٢٢.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق