الخميس، 27 فبراير 2025

قيد الخاطر- (الوسطية في الهيبة والمحبة)

قيد الخاطر- (الوسطية في الهيبة والمحبة)

لا يكفي أن يهابوك، حتي يحبوك، فهيبة مع محبة، خير من هيبة مع نفور، وهكذا كان أعظم الرجال - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم - محبوبا مهابا، فإذا رأيته، هبته، وإذا قربت منه، أحببته، وهذا من سمات الوسطية، وغالب الناس - مذ كان الناس - طرفا نقيض، والموفق من الرجال من يتبع الإنصاف، ويغضي عن الهذرمة والإسفاف، يصانع وجها واحدا، فهو خير له من مصانعة وجوه، يتعبد لله بأن يعاملهم في الله، إن قطعوا، وصل، وإن سفهوا، حلم، وإن أساؤوا، أحسن، وإن بالغوا في الإهانة، بالغ هو في الإكرام، وهذا خلق الكرام، لا خلق اللئام، وبهذا تطمئن نفسه، ويسكن فؤاده، ويرتاح باله، ويهدأ خاطره، ويخزى شيطانه، وتنقشع عنه سحائب الهموم، فوالله ما ارتفع القوم ولا علوا في ذرى المجد وعنوان السعادة وأنموذج الريادة وبلوغ السيادة بكثرة مال ولا زوج ولا ولد، بل ما تحقق في قلوبهم من اليقين - واليقين هو الدين كما يقول ابن القيم في كلام نفيس وقيم -، وهضم النفوس، ورجاء الآخرة، والزهد في الدنيا، والمحبة والخوف، والتوكل والإنابة والاستعانة، والإخلاص والمتابعة، والصبر والشكر، والهمة العالية، والنية الصادقة، وسائر أعمال القلوب، مع الحذر والفرار من أمراضها، كالرياء والشهوة والشبهة، والفخر والعجب والكبر والخيلاء، وما يتبع ذلك أغراض سيئة، ومقاصد فاسدة. 
والخلاصة:
الأمة بحاجة ماسة وملحة إلى أن يكون لها - مع القرآن - ورد من سنة النبي العدنان - عليه أزكى صلاة وأزكى سلام -، ومن سيرته النيرة المشرقة البديعة، لأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهي والقرآن كنز هداية، ودستور صلاح، ولا مناص لأحد يريد العزة إلا أن يسترشد بنور الكتاب والسنة، فهما العزة والمنعة لكل طالب رفعة، ومن لم يرفعه الله بهما، فلا رفعه، ومن استدل بهما في بيداء الحيرة والظلمات، فقد اهتدى - وإن ظنه الناس أنه محبوس -، لأن من المحبوس حقا، والمقيد صدقا من أطلق لنفسه العنان، ولفكره الخيالات بعيدا عن حمى الكتاب والسنة، فمن أعرض - لا رفض - الكتاب والسنة، فهو المحبوس، وإن تربع على العروش، هذه حقيقة مقررة، يؤمن بها المؤمن المتبع، ويرفضها - فضلا عن أن يسمعها - المنافق المبتدع، وصدق الحق: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون...)، والجواب: أما سمع استبصار وانتفاع، فلا، وأما سمع إعراض وتولي واستكبار، فنعم يسمعون (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)، يعني: من الأنعام، لأن المخلوق هذا عمل فيما سخر له، وهذا الإنسان طلب المحال ليعوق سير الأعمال، ولا يتأذى بتأنيب ضميره، فعبد هواه، وأعرض عن مولاه، ونبذ الكتاب والسنة خلفه ظهريا، سب السلف، واعتزى بالخلف، حفظ الروايات الساقطة، وشجع المجلات الفاجرة، خدم الدنيا ونسي الآخرة، آمن بالغرب إذ كفر هو الآخر بدينه وتاريخه وحاضره ومستقبله، وآبائه وأجداده، فلا يراه إلا أجيرا لعمل خسيس، ومهنة وضيعة، يهدم بها صروح ما بنت أمته، بحفنة مال، وساعة شهوة، وأولئك الأباعد الأشقياء هم الأبواب الجهنمية على كل نافذة خير ينبعث منها شعاع الخير ليضيء في قلوب تستقبل الخير من الغير بكل صدق ويقين وتوكل.
وخلاصة الخلاصة:
لا رجوع لعز الأمة الخالد، ومجدها التالد، إلا بالكتاب والسنة، وفق منهج السلف الأماجد، والسلام.

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
بين حائل والجوف، الجمعة، ١٤٤٦/٨/٢٩.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق