السبت، 13 يونيو 2015

الوسطية في التصنيف

فيض الخاطر- (الوسطية في التصنيف).

                                                        بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
                                                                                  وبعد
فإن القرءان الكريم ـ كلا الله ـ حافل بآيات كثيرة في ذكر أوصاف المؤمنين والكافرين والمنافقين؛ بيانا للمسلمين ـ أمة وأفرادا ـ على وجوب أخذ الحذر من المنافقين والكافرين، وأن يتخلوا بأخلاق المتقين، الذين ذكرهم الله، وذكر طرفا من أوصافهم.
والتصنيف قد يكون بحق، وقد يكون بباطل، وما أحوجنا ـ اليوم ـ إلى أن نتخلق بأخلاق المتقين، وأن نقارب ونسدد في القول والعمل؛ لنكون على أفضل حال، وأحسن مقال، فلا نتعرض لأحد بسب ولا شتيمة، ولا نرمي أحدا بنقيصة، ولا نتجرأ في أكل الأعراض بالغيمة والنميمة، ولا نتقحم الموبقات، من القذف وشهادة الزور، وغير تلك الأخلاق التي تفضي إلى جهنم، وتزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، وتقسم المجتمع، فينفذ العدو بمكره السيء "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله...".

والوسطية في التصنيف واجبة؛ لأن ديننا بأكمله بني على قاعدة الوسطية، والعدل، وحفظ الحقوق. ومن أعظم وأشنع المظالم: ظلم المسلم أخيه، ويكون ذلك بالكلام فيه بغير حق، من السب والشتم والقذف، وتصنيفه تصنيفا باطلا، والجور في الخصومة، وأن يتجسر على معاداته، فلا يرعوي عن إلحاق كل أنواع الأذى به، من الأذى الحسي، والأذى المعنوي، ولا ريب ـ في أغلب الأحوال ـ  أن يكون الأثر الناتج عن الأذى المعنوي لا يقل عن الأذى الحسي، وذلك مشاهد في حياة الناس وواقعهم.

والوسطية ـ في هذا التصنيف الحق ـ تقتضي أمورا مهمة، يجب مراعاتها:

الأمر الأول: أن يكون عن علم ويقين بموقع الخطأ من ذلك المنتَقد، فقد يكون صدر منه عن جهل، أو إكراه، أو شبهة، فيبين هذا.

الأمر الثاني: عدم تضخيم الأخطاء، والصدق في إظهار الحق، وأن يكون الدافع ردع الباطل، وأن تحسن الظن بأخيك المسلم، وأن تتفهمه، وتقبله إذا طلب حوارا، وتجيبه إذا سأل، ولا توليه الدبر، أو أن تتحيز ضده، فتكون في حزب، وتخاصمه، وتكثر جداله في غير ما فائدة تذكر؛ بل اتهام في النيات والمقاصد، وتصنيف جائر، وهمز ولمز وطعن بالصالحين، فذلك خلق إبليس، وما ذلك بسبيل المتقين.

الأمر الثالث: ألا تسمع لأولئك المغرضين، الذين ينادون بإلغاء التصنيف، وهم أنفسهم يصنفون غيرهم؛ بل ويخترعون جماعات ـ من تلقاء أنفسهم ـ ينسبونها لإمام خالفهم، وأظهر عوارهم، ورد أباطيلهم، ودحض حججهم، وفند شبههم، ولم يدعهم يهنؤون بطعام ولا شراب؛ بل كان غصة في حلوقهم، وسهما في نحورهم، فرد كيدهم، وأزهق باطلهم، وتابعه جماعات من العلماء الراسخين، الذين هم جبال شماء في العلم والتحقيق، والنقل والتدقيق، فزكو الإمام بعدما تطاول اللئام الأقزام، كما هي عادتهم مع كل عالم وداعية إلى الحق والقرءان والسنة، فيعادونه لتلك الدعوة الصحيحة، والمنهج السليم؛ لأنه يخالف أحزابهم وتكتلاتهم، ويناقض مبادئهم التي أسست على غير هدى وبصيرة؛ بل كانت من مفكر وأديب، ولم تكن من عالم أبدا، فلذلك لم تنتج دعوتهم الضالة المضلة؛ لأن قواعدها باطلة، وأسسها زائغة، ودعاتها دعاة شر وفتنة؛ لأنهم ينتقصون من كل عالم له في الإسلام قدم صدق إذا خالف دعوتهم، ولم يعترف بمنهجهم، وفي المقابل يجعلون من أتباعهم أئمة أعلاما، وشهداء على الإسلام، فانظر تلك الحزبية البغيضة، والجاهلية المقيتة؛ تعرف الحق من الباطل.

الأمر الرابع: تقوى الله. فإن تقواه ـ جل جلاله ـ واجبة في كل الأحوال، ويجب على المسلم القيام بما كلف به عن قدرة واستطاعة، وما غير ذلك فمعفو عنه. والانتهاء عن المحرمات آكد من القيام بالواجبات، ولذلك فلا يجوز الخوض في أعراض الناس، والحديث في شؤونهم الخاصة، والتقصي في ذلك، والتساهل في هذا الأمر، فإن بعض الناس ـ وخاصة ممن يدعون العلم بالشريعة ـ تراهم يخوضون في الأعراض المحمية بحمى الله، فيبدعون هذا، ويصنفون ذاك، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويتجاسرون على دعاة الفضيلة والإسلام، وإذا سئلوا، أجابوا: هذا دين! نعم! إنه دين رقيق، وصاحبه في ضلال عميق، وطريق موحش، فمتى يكون تنزيل البدعة وتصنيف الناس ونقدهم دينا، وقد أوغلوا في ذلك أيما إيغال، وأسرفوا أيما إسراف، ولم يرجعوا لقواعد الشريعة الكلية، ومقاصدها الإجمالية؟!!

الأمر الخامس: العدل، فبه قامت السماوات والأرض، وبه نصب سوق الجنة وسوق النار، وبه تنشر الدواوين، وتوضع الموازين، ويرى كل إنسان ما عمل، إن خيرا وإن شرا "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". الزلزلة. وقال ربنا في كتابه: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين). الأنبياء.

كتبه: أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض بن تركي بن راجح المطرفي الصاعدي العوفي الحربي.
السبت 26/8/1436
المدينة المنورة


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق