الثلاثاء، 5 أغسطس 2025

قيد الخاطر- (العيش كرجل)

قيد الخاطر- (العيش كرجل)

من يريد أن يعيش رجلا، عليه أن ينسى "صدمات الماضي"، خاصة ما كان في الطفولة، نعم هذا تنظير، والهيمنة للواقع على التنظير، فالواقع له سطوته وشدته وتحكمه، لكن الرجل فعلا من يتعالى على كل معضلة، ويحل كل مشكلة، المهم لا يستسلم.
نعم له مشاعر، له أحاسيس، لكن يتحكم في عواطفه ومشاعره. فالرجل فعلا عصي على الخضوع لمشاعره وأحاسيسه حتى تسيطر عليه، بل يسيطر عليه عقله.
فالرجل إذن عقلاني بالدرجة الأولى، والمرأة عاطفية بالدرجة الأولى. 
الرجل يستلهم من الماضي الدروس والعبر، ويؤمن بالتجارب، ويخضع ويتواضع للحق والحكمة والصواب.
الرجل ينصت ويسمع، يبذل ويضحي، يفتش عن كل محروم ليواسيه، فهو كائن اجتماعي، مؤثر، نعم ويتأثر، لكن لا ينعزل عن إفادة أسرته ووطنه، ومجتمعه وأمته.
الرجل يخطط ويدرس وينفذ، يستشرف المستقبل، ليبني غدا زاهرا، ولا يعيش كلا على أسرته أو وطنه، أو مجتمعه أو أمته.
الرجل يملك نفسه عند الغضب، والهوى، والحزن، ولا تتمادى به انفعالاته النفسية.
الرجل هو الحر فكرا، المتقد عقلا وذهنا، من يبني بعلمه، ويهدي بحلمه، ويسكِّن بهدوئه.
الرجل حقا من يقول بملء فيه "نعم" أو "لا" في موضعها، ولا يحفل بغير كرامته في حدود تحكيم الشرع والدين والعقل والمروءة. 
الرجل أول ما يحتكم للعقل، والمرأة أول ما تحتكم للعاطفة، وسيرة أمهات المؤمنين مليئة بالمواقف التي تبين أن المرأة تحتكم إلى العاطفة أكثر من الرجل، ولذلك هي "صانعة الرجال"، لأنها تدعم الطفل بعاطفتها حتى يكبر سويا في عقله، فلا يحتاج إلى حنان أعظم من الأم إلا إن كان في "الزوجة"، والزوجة امرأة لا رجل...
الرجل حقا هو ما ذكرت.
وسمات الرجولة تستحق أن تفرد في كتاب، وهذا ما حمله الخطاب على عجلة من أمري، وتشتت من فكري.

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
المدينة- الأحد- ١٤٤٧/٢/٩.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

تعليق أ. عدنان السقاف على مقالي "العيش كرجل").

(تعليق أ. عدنان السقاف على مقالي "العيش كرجل").

لقد أبدعتَ يا أبا عبد الملك حين حرّرت مفهوم الرجولة من مجرد الملامح والهيبة، وصغته خلقًا وتكليفًا، فالرجولة عقلٌ نيرٌ يسكنه الهدوء لا الغضب، وتقديرٌ للحق لا تهورٌ بالمشاعر. وإن في كلمتك هذه صدىً لقول النبي ﷺ حين وصف المؤمن بأنه “قويٌ في دينه، لينٌ في طبعه، حكيمٌ في فعله”، كأنك في روح النص تنفخ شهيق السُنّة في صدر الرجولة.
في تجاوز الماضي لا إنكاره:
القول بنسيان "صدمات الطفولة" يثير في النفس مشاعر متباينة. فالإسلام لا يأمرنا بمحْو الماضي، بل يدعونا لجعله ترياقًا للحكمة لا جرحًا يتقيّح، والله تعالى يقول: “والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة”، فما كانت الصدمة إلَّا معبرًا للوعي؛ إن أحسنا استثماره، وكانت التجربة قنطرة إلى الصبر. كما كان يوسف عليه السلام رجلًا لم تهزمه الطفولة في الجب، بل مكّنته في القصر والسجن.
الرجولة بين العقل والعاطفة:
لقد وصفت الرجل بأنه عقلاني والمرأة عاطفية، وهذا التقسيم - وإن كان له بعض الجذور في التجربة - إلَّا أن الكتاب والسنة لا يجعلان المشاعر عيبًا، ولا العقل حكرًا، بل قال تعالى: “وخلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، فالعاطفة مكون من السكينة، وهي قيمة قرآنية نبيلة لا انفعال مذموم. والرجولة في الإسلام ليست في كبت الشعور، بل في تهذيبه وتزكيته، كما جاء في قوله تعالى: “قد أفلح من زكاها”.
الرجولة في سياق الأمة لا الفرد:
نعم، لقد أصبت إذ وصفت الرجل بأنه كائن اجتماعي، يبذل ويخطط ويعلّم ويصلح؛ فإن الرجولة في القرآن لا تُفهم إلَّا في سياق الأمة، كما في قوله تعالى: “من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، فالرجال الصادقون تجاوزوا الذوات وارتقوا إلى مراتب التكليف؛ فصاروا أعمدةً لغيرهم، لا عالةً عليهم.
الكرامة والشرع في ميزان الرجولة:
وأما قولك: “الرجل حقًا من يقول نعم أو لا في موضعها”، فهو صورة دقيقة للرشد، فالرجل يتزن قوله بين جلال الشرع ووقار المروءة، فلا يذلّ، ولا يطغى، بل يحفظ نفسه في مقامات العدل، ولا يرضى الهوان، ولا يُستدرج إلى الصلف، فهو في كل ذلك حارسٌ لحدود الله، متأدبٌ مع خلقه.
✨ يا أبا عبد الملك، لو شاء القلم أن يفرد لكل سمة من سمات الرجولة بابًا؛ لجاء الكتاب موسوعةً لا تكفيها المجلدات، ولكنك بهذا الخطاب الموجز؛ قد غرست النواة، وسقيتها من ماء الفكر الصادق، والمرجعية الإسلامية المتينة، فبارك الله في قلمٍ يذود عن الفضيلة، ويدعو إليها بأدبٍ وفكرٍ وخلق.

عدنان السقاف.

تعليق أ. عدنان السقاف على مقالي "العيش كرجل").

(تعليق أ. عدنان السقاف على مقالي "العيش كرجل").

لقد أبدعتَ يا أبا عبد الملك حين حرّرت مفهوم الرجولة من مجرد الملامح والهيبة، وصغته خلقًا وتكليفًا، فالرجولة عقلٌ نيرٌ يسكنه الهدوء لا الغضب، وتقديرٌ للحق لا تهورٌ بالمشاعر. وإن في كلمتك هذه صدىً لقول النبي ﷺ حين وصف المؤمن بأنه “قويٌ في دينه، لينٌ في طبعه، حكيمٌ في فعله”، كأنك في روح النص تنفخ شهيق السُنّة في صدر الرجولة.
في تجاوز الماضي لا إنكاره:
القول بنسيان "صدمات الطفولة" يثير في النفس مشاعر متباينة. فالإسلام لا يأمرنا بمحْو الماضي، بل يدعونا لجعله ترياقًا للحكمة لا جرحًا يتقيّح، والله تعالى يقول: “والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة”، فما كانت الصدمة إلَّا معبرًا للوعي؛ إن أحسنا استثماره، وكانت التجربة قنطرة إلى الصبر. كما كان يوسف عليه السلام رجلًا لم تهزمه الطفولة في الجب، بل مكّنته في القصر والسجن.
الرجولة بين العقل والعاطفة:
لقد وصفت الرجل بأنه عقلاني والمرأة عاطفية، وهذا التقسيم - وإن كان له بعض الجذور في التجربة - إلَّا أن الكتاب والسنة لا يجعلان المشاعر عيبًا، ولا العقل حكرًا، بل قال تعالى: “وخلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، فالعاطفة مكون من السكينة، وهي قيمة قرآنية نبيلة لا انفعال مذموم. والرجولة في الإسلام ليست في كبت الشعور، بل في تهذيبه وتزكيته، كما جاء في قوله تعالى: “قد أفلح من زكاها”.
الرجولة في سياق الأمة لا الفرد:
نعم، لقد أصبت إذ وصفت الرجل بأنه كائن اجتماعي، يبذل ويخطط ويعلّم ويصلح؛ فإن الرجولة في القرآن لا تُفهم إلَّا في سياق الأمة، كما في قوله تعالى: “من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، فالرجال الصادقون تجاوزوا الذوات وارتقوا إلى مراتب التكليف؛ فصاروا أعمدةً لغيرهم، لا عالةً عليهم.
الكرامة والشرع في ميزان الرجولة:
وأما قولك: “الرجل حقًا من يقول نعم أو لا في موضعها”، فهو صورة دقيقة للرشد، فالرجل يتزن قوله بين جلال الشرع ووقار المروءة، فلا يذلّ، ولا يطغى، بل يحفظ نفسه في مقامات العدل، ولا يرضى الهوان، ولا يُستدرج إلى الصلف، فهو في كل ذلك حارسٌ لحدود الله، متأدبٌ مع خلقه.
✨ يا أبا عبد الملك، لو شاء القلم أن يفرد لكل سمة من سمات الرجولة بابًا؛ لجاء الكتاب موسوعةً لا تكفيها المجلدات، ولكنك بهذا الخطاب الموجز؛ قد غرست النواة، وسقيتها من ماء الفكر الصادق، والمرجعية الإسلامية المتينة، فبارك الله في قلمٍ يذود عن الفضيلة، ويدعو إليها بأدبٍ وفكرٍ وخلق.

عدنان السقاف.

قصة قصيرة- ("الأسد المريض" في "وادي الذئاب)

قصة قصيرة- ("الأسد المريض" في "وادي الذئاب").

كانت روضة من رياض الجنة، يسودها الأمن، ويلفها السكون، وهل شيء أعظم في الوجود من الأمن؟!
ثم كانت أحداث وأحداث، حتى سطا القوي فمزق الضعيف، وأخذ البريء بتهمة المدان، ونُصبت المشانق، وحزت الرؤوس، وكسرت العظام، وقلعت الأظافر، وفقئت العيون، وكان ما يستحيى من ذكره وما لا يحسن التصريح به، اغتالوا الفضيلة، وزرعوا الرذيلة، وصودرت العقول، بل هجرت العقول المفكرة من تلك البلاد، وقرب الخائن، وأبعد الأمين، وكانت شهوة الأسد في تلك "الرياض" التي استحالت بهمجيته وسطوته إلى "غابة" في المشي وراءه بكل خنوع وذل، وألا يصدر من أي فرد من أفراد تلك الغابة المروعة إلا ما يهوى سماعه، وما يروق لخططه وفكره، فلا يرضى أن يهمس أحدهم همسا دون إذنه، وكل من عارضه، هشم عظامه، وقطع رأسه، أو يتركه حيا يذوق مر العذاب من زبانيته الظلمة المتوحشين، الذين يتوقون لرائحة الدم، ويعشقون الدم، ويسبحون ويهللون إن رأوا شلالات الدم تسيل في "وادي الذئاب"...
استهل "حكم العرش" بالتهديد الشديد، واختزل "فكرة الوطن" في شخصه البليد، ثم مضى يتبختر في مشيته مع زبانيته، لا يرى إلا نفسه، ولا يسمع إلا نفسه، ولا يقدس إلا نفسه، يتوق أن يسمع دوما "القائد الخالد"، "صائد الرجال"، "زعيم الأمة العربية"، وألقاب هي في الحقيقة أبعد ما تكون عن شخصية هذا "الأسد المريض"، بل هي مناقضة له تماما...
كان أسدا شرسا، عنيدا، لا يؤمن بالحوار، ولا يسترشد بالرأي، حتى قال عنه مرة خال هذا الأسد: كل أسد في كل غابة عنده مستشارون يستشيرهم، إلا ابن أختي، عنده مستشارون، هم يستشيرونه!!!
وكانت تلك "الغابة" محكومة بحكم أناس أقل من حكم هذا "الأسد المتعجرف" ظلما، ثم لما سطا حزب هذا "الأسد" على العرش، صفى كل معارضيه، حتى من المصفقين له، بل أعز أصدقائه، لأنه لم يرق له، فهذا الأسد - كما صرح مرارا وتكرارا - يعرف خائنة الصدور بما تبديه نظرات العيون، وحركات الأيدي!
تحول حكم "الغابة" في عهد هذا "الأسد المريض" من حكم "الحزب الواحد" و "الفكرة الواحدة" إلى "حكم العائلة والعشيرة"، إلى "حكم القائد الواحد"، وتبخرت الشعارات الحزبية في هواء مفعم بالسموم والحشرات...!
حفرت الذئاب في "وادي الذئاب" لهذا "الأسد المريض" كل حفرة، ونصبوا له كل "فكرة قاتلة"، فاللعب مع الذئاب - ليس ذئبا ولا ذئبين - أمر خطير للغاية، لا يحسن عواقبه هذا اللاعب ب "الأوراق المكشوفة"، المصدر لكل خطاب غبي، متزمت، متصادم، فهو "أسد شرس"، نعم، لكنه لا يحسن "سياسة المراوغة" فلو كان أمام "ثعالب"، لسقط في الفخ، فكيف بذئاب في "وادي الذئاب"؟!!!...
لعب "الأسد المريض" لعبته، ولعبت "الذئاب" مع الأسد، فنصبوا له الكمائن، وحفروا له الحفر، وشقوا له الأخاديد، وفي سلسلة طويلة مدروسة ب "فكر الذئاب" و "مكر الثعالب"، سقط "الأسد المريض" في الشَّرَك، بعد استنزاف ثروات تلك "الرياض" التي حولها بطغيانه إلى "غابة"، لا تسمع فيها إلا "صوت القائد"، و "فكر القائد"، ولا تقرأ فيها سوى "خطاب القائد"، و "أهداف القائد"، وذلك الشعار "عاش القائد"، وكأن البلاد لا تقوم إلا على الشعارات والصيحات والهتافات، دون العمل والتخطيط، والفكر والتنفيذ، والشورى، والتفاهم...!
المهم في "وادي الذئاب" سقط "الأسد المريض"، بعدما سطا على كل ضعيف، وقهر كل مقهور، واستبد بالعرش، ولم يعترف بالحوار، واتخذ من الصدام منهج حكم وتدبير، سقط غير مأسوف عليه، لظلمه وطغيانه، لكنه فاجأ الجميع باستسلامه، ولم يطلق زئيره كما كان يفعل في الماضي، حيث صك الآذان بقوته وعنفوانه، وصوته المنادي بالنضال في الميادين، وعدم الانسحاب، ومن ينسحب خطوة، كان مصيره الإعدام، والقتل، وأن يموت تحت التعذيب، لكن الميزان في فكر "القائد الخالد" أن يموت كل شيء، ليحيا هو، فالخلود له دون الأتباع والرعاع والسفلة من رعيته، هذه الأفعال هي بمثابة "شاهد عيان" على تلك الحقبة الزمنية التي حكمت بها تلك الغابة، فكان مصيرها التخريب والحرق، والتطاحن وحفر الحفر من بعض الرعية لبعض، دون مراعاة لحرمة وطن، ومسيرة شعب، وهذا ما يورثه كل "أسد مريض" في "وادي الذئاب" عندما يلعب ب "الأوراق المكشوفة" أمام "ذئاب" و "ثعالب"، يتقنون اللعبة، ويعرفون الكر والفر، وهم "رواد المسرح" و "قادة الإخراج"، و "أبطال التمثيل"، فماذا يحسن "الأسد المريض" أمام كل هذه الجموع المحتشدة بكل فكر متقد، وذهن متوثب، وهو لا يحسن غير شيء عظيم واحد "تكشير الأنياب المهترئة" بفعل عوامل التعرية، وما معه إلا كل سلاح مهترئ صدء، حتى الزئير لم يكن كما كان في الماضي، فقواعد اللعبة قد تغيرت، والحرب تدار من وراء ستار، ولا حكم للصوت مع السلاح، فهو يجهد الحنجرة والحبال الصوتية دون أدنى فائدة، ولا تسمع الصوت في "وادي الذئاب" إلا إذا اشتد الألم، فهنا قد تنفع الصيحات للتنفيس عن شدة الألم فحسب، لكن أنى لل "الأسد المريض" أن يفهم "قواعد اللعبة" أو "قانون الحبل" أو "نظرية الإقناع" أو "فنون الحرب" وهو لا يحسن أن يسمع سوى زئيره؟!
في النهاية: سلم "الأسد المريض" ما خلف من "ميراث عفن" لألد أعدائه، ولكن لدهائه أكمل "المسرحية"، واجتر في رصيده "أتباع كل ناعق" وهم "فروخ الدجال"، فصفقوا "يحيا القائد"، "عاش القائد"، وهو الذي طعن الوطن في خاصرته، والفكر في صميميته، واغتال كل عقل مفكر، ومنع أي رأي مستبصر، وهو الذي باع "الجمل بما حمل" عندما سقط جريحا مصروعا في "وادي الذئاب"، لعنجهيته وسلطويته، واستبداده بالرأي، وما تثيره خطاباته "التقدمية" من جعجعة، وصدق المثل العربي القائل: "جعجعة ولا أرى طحينا!".
المهم في "وادي الذئاب" أن يسقط "الأسد المريض" فعلا، لكن تنصب له "تماثيل" و "أصنام"، حتى يلعبوا من "خلف الكواليس" بعقول الرعاع من "أتباع كل ناعق"، فيصيرونهم بفعل مكرهم ودهائهم إلى "مجرد أدوات" يلعب بها "المخرج"، ويوجهها كيف يشاء...
 ففي "وادي الذئاب" على "أتباع كل ناعق" شيء واحد: "التصفيق الحار"، لكل "صنم"، أو "تمثال"، هم يصدرون الأفكار، و "أتباع كل ناعق" يصفقون لكل "فكرة قاتلة" و "فكر مسموم"، لأن المخرج في "وادي الذئاب" لا يريد عقولا مفكرة، يريد أن يصفقوا ويهللوا لكل "فكرة فاشلة" نبعت من واديه "المشلول"، لتستقر في أرض عدوه، فلها يزرع، ولها يخطط، ولها ينفذ عبر "أتباع كل ناعق"، وقد وفر على نفسه عناء "العسكرة" و "التجييش"...!
يكفي في "وادي الذئاب" أن تصدر "كلب شارع" ليصبح "الأسد المريض"، فيخرج "أتباع كل ناعق" - يتسللون عبر كل سبيل فاشل وطريق ملغوم - يهللون ويسبحون بحمد "الأسد المريض"، حتى يجثو "الجمل بما حمل"، فيتقاسمه كل مريض، ومن ليس بسوي، فعندها قل بصوت بالغ التأثير: على الوطن السلام، وعلى العقول "أحسن الله عزاءكم"، إذا تحكم "الأسياد" في العبيد، وعبثت الذئاب، وسطت الأسود، ومنعت الكلمة، وألجم الخطاب، وأغلقت الأفواه، في تلك الحال قل: عاش "الوطن"، ومات "الصنم"، وإذا كان للذئاب والتعالب مكر، فلأصحاب العقول النيرة فكر، وإذا كان سلاحهم الظلم، فسلاح المفكر عدالته وعقله، وهل أمضى سلاحا من عقل وفكر، وهل سيف أشد وقعا من "العدالة" وهل حكم فوق "حكم الحق"؟!
فلكل حر: اهتف بصوت العدالة: عاش الوطن في ظلال العقل والفكر والعدالة.
لكل حر: قل: هذا عقلي ليس للبيع ولا للإيجار.
لكل حر: هذا ضميري، وهذي حريتي، أذود عنهما بكل غال ونفيس.
لكل حر: العقل والفكر والعدالة والضمير، لا تشترى ولا تباع، إلا في "وادي الذئاب"...
لكل حر: بوابة الأحرار "الأمثال"، وبوابة الذئاب "الحبال"، وما لا يُغلب ب "الحبل"، يغلب ب "المثل"، فاستقوِ بالكلمة على "جور السيف"، ولا تبع ضميرك في "وادي الذئاب"، مهما كلف الثمن، فما الحر إلا بضميره، وإن رأى "أتباع كل ناعق" في ازياد، فما هم إلا ك "الجراد"، وما الأحرار إلا ك "الرياح" تهب على "الجراد" فتطيره كل مطار "وإن غدا لناظره لقريب"، كما تقول العرب...

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
الدوداء- الثلاثاء- ١٤٤٧/٢/١١.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

الاثنين، 4 أغسطس 2025

قيد الخاطر- (زيادة العلم والقلق)

قيد الخاطر- (زيادة العلم والقلق)

كلما زيد الإنسان في علمه وفقهه، وأدبه وثقافته، وأوتي حسن اطلاع وفهم للواقع وطبيعة المجتمعات، كلما زيد في قلقه، أو خوفه، أو توجسه - كأنه يمشي في حقل مليء بالألغام -، فالجاهل يتخبط ولا عليه، يمشي سبهللا، كيفما اتفق، ولا يدقق، ولا يحقق، ولا يحلل، كما أشار إلى ذلك المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
بخلاف العالم أو المثقف، يقرأ كثيرا، ويفتح له في باب السؤال والاستنتاج، والتحقيق والتدقيق، والتحليل والحكم، وقد يظل عشر سنين أو أقل أو أكثر، وربما يموت، ولم يصل إلى حكم قطعي في قضية أو عدة قضايا، فلذلك صاحب العلم والمعرفة، صحيح يتعب كثيرا، لكن يتنعم بتعبه، وذاك الجاهل، صحيح مرتاح، لأنه لا يدقق ولا يحقق ولا يحلل كالعالم، لكنه يشقى بجهله ولا بد، فأن تعيش عالما مدققا محققا، طالبا للعلم والأدب والثقافة والمعرفة، وتجهد العقل بالتفكير، خير من أن ترتع في رياض الجهل، التي تعقب التخمة والتضخم والتعالي والغرور، والترف والزور، وذاك سوء على سوء، لأن مبرر التعالي منتف عند الجاهل، ولا يعني ذلك مشروعية التعالي للعالم، لكن داعيه لدى العالم أقوى بكثير من داعيه لدى الجاهل، فتدبر يا رعاك الله. 
قلت ذلك عن معايشة وتجربة في سياحتي في رياض العلم، وساحات المكتبات، وغوصي في بطون الكتب.
 والحل:
 لا تقلق، ولا تصادم ما يكون من انفعالات بسبب كثرة المقروء ومناقضته للواقع مثلا، وامشِ الهوينا، وفكر، واعمل، وجاهد في سبيل العلم والثقافة والأدب والفكر والمعرفة بوسطية الإسلام ومنهج القرآن، تفلح.
هذب نفسك بآيات القرآن، وأحاديث النبي العدنان - عليه الصلاة والسلام -، واجلدها بسياط المواعظ والتذكير، وتواضع للحق، وارحم الخلق، تبلغ طريق السلامة، وما عليك من ندامة، والسلام. 

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
الدوداء- الاثنين- ١٤٤٧/٢/١٠.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

الأحد، 3 أغسطس 2025

قيد الخاطر- (خواطر متفرقة)

قيد الخاطر- (خواطر متفرقة)

١- العطاء في المنع، أوسع من المنع في العطاء، وأبرك، وأنفع، فما زوي عن المؤمن من خير يرجوه، فلن يراه - بيقينه وإيمانه - إلا في صالحه ومنفعته دينا ودنيا، وما يعطاه من خير - يظنه ظاهريا كونه خيرا - لا يكون في حقه خيرا إلا إذا استعمله في طاعته سبحانه، أو أدى به إلى معصيته، لكن آلت به إلى الانكسار والندم والتوبة.
٢- من لا يؤمن بالتغيير، يكثر من التبرير.
٣- ما ينقصنا من العمل أكثر مما ينقصنا من العلم.
٤- العمل روح العلم.

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
الدوداء- السبت- ٨ صفر، ١٤٤٧.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

شذرات من بطون الكتب- (الطريق السالم إلى الله تعالى)

شذرات من بطون الكتب- (الطريق السالم إلى الله تعالى)

بين يدي كتاب جليل القدر، عظيم الخطر، ألا وهو (الطريق السالم إلى الله تعالى).
مؤلفه/ أبو نصر، عبدالسيد بن محمد البغدادي الشافعي، المعروف ب "ابن الصباغ"، ت سنة ٤٧٧، رحمه الله. 
تحقيق/ حسام صلاح، و د. أحمد البشير. طباعة دار الفتح، ط١، ١٤٤٥.

وهذا الكتاب جاء تلبية لسؤال يسأل فيه السائل: ما هو الطريق السالم من الشوائب إلى الله تعالى، فبين في كتابه إجمالا ما هو الدين، وأهم الاعتقادات والعبادات، وكذا السلوك، في ترتيب متناسق دون توسع - بخلاف الغزالي في الإحياء -.
ومن مميزاته: تصدير المباحث أو الفصل بآية أو حديث، وقلة الأحاديث الضعيفة فيه - مقارنة بالإحياء -، وصغر حجمه كذلك.
أما عقيدته، فقد قال بعضهم سلفي العقيدة، ونصر محقق الكتاب أنه أشعري. 
وهذه بعض الشذرات من هذا الكتاب الطيب المبارك:

١- أفضل الأمة العلماء، فإنهم ورثة الأنبياء، قال الله سبحانه: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم). ١٣٩.
٢- وإنما يتمكن الإيمان من القلب بطول الفكرة. ١٥٤.
٣- وقال الحسن: "باليقين عبد اللَّه، وباليقين طلبت الجنة، وباليقين هرب من النار". ١٧١.
٤- ليس الغرض من الصلاة أفعال الأبدان، والأذكار باللسان، وإنما الغرض الذكر بالقلب والخشوع. ١٨٠.
٥- وقالت امرأة عثمان حين دخل عليه: "لئن قتلتموه، لطالما أحيا الليل بركعة يقرأ فيها القرآن". ٢١٣.
٦- وروي عن الأوزاعي أنه قال: كان علي بن عبدالله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة. ٢٣٦.
٧- واعلم أن جماع الخير في الزهد في الدنيا، وحبها رأس الخطايا. ٢٦٧.
٨- وحكي أن المسيح - عليه السلام - قال: "الدنيا قنطرة، فاعبروها، ولا تعمروها". ٢٧٠.
٩- عادة الله تعالى مع عباده أن الخائف من الفتنة، معان، لأن ذلك من الطاعات والعبادات. ٢٧٩.
١٠- وقد قيل: "من أيس من شيء، استغنى عنه". ٣٠٥.
١١- قال الحسن رحمة الله عليه: "حق لامرئ الموت مورده، والساعة موعده، والوقوف بين يدي الله عز وجل مشهده، أن يطول حزنه وحسرته". ٤٥٩.
١٢- وقال الحكم: "من كثرت ذنوبه، ولم يكن له من العمل ما يكفرها، ابتلاه الله بالحزن، ليكفرها عنه". ٤٦٣.
١٣- الحياء من الناس طبع، والحياء من الله سبحانه معرفة وعلم، فمن لا يحركه طبعه للحياء، لا يحركه علمه. ٤٧٥.
١٤- وقال بعض الشعراء:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشبِ * إن الحريص على الدنيا لفي تعب
لو كان يصدقني ذهني وفكرته * ما اشتد حرصي على الدنيا ولا نصبي 
أسعى وأكدح فيما لست أدركه * والدهر يقدح في زندي وفي عصبي. ٤٨١.
١٥- وقال بعض العلماء: "قد يدخل الرجل ذنبُه الجنة". ٥٢٩.
١٦- الكبائر لا تكفرها الصلوات في الشريعة. ٥٣٣.
١٧- واعلم أن الدعاء المسموع كان عن الإخلاص والخضوع، ولا يسمع الدعاء والقلب ساه. ٥٥٤.
١٨- ينبغي أن تنصح أخاك المسلم وتأمره من فعل الخير بما ينفعه، وإن لم تفعله أنت. ٦٠٢.
١٩- وقيل لمحمد بن المنكدر: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان. ٦٠٦.
٢٠- وقيل لبعض الحكماء: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا يرضى بمنزلة دون الجنة. ٧٣٢.

تم بحمد ربي تعالى. 

بقلم/
أبو عبدالملك عبدالرحمن بن مشعل العوفي الحربي. 
الدوداء- السبت- ٨ صفر، ١٤٤٧.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com