الثلاثاء، 5 أغسطس 2025

تعليق أ. عدنان السقاف على مقالي "العيش كرجل").

(تعليق أ. عدنان السقاف على مقالي "العيش كرجل").

لقد أبدعتَ يا أبا عبد الملك حين حرّرت مفهوم الرجولة من مجرد الملامح والهيبة، وصغته خلقًا وتكليفًا، فالرجولة عقلٌ نيرٌ يسكنه الهدوء لا الغضب، وتقديرٌ للحق لا تهورٌ بالمشاعر. وإن في كلمتك هذه صدىً لقول النبي ﷺ حين وصف المؤمن بأنه “قويٌ في دينه، لينٌ في طبعه، حكيمٌ في فعله”، كأنك في روح النص تنفخ شهيق السُنّة في صدر الرجولة.
في تجاوز الماضي لا إنكاره:
القول بنسيان "صدمات الطفولة" يثير في النفس مشاعر متباينة. فالإسلام لا يأمرنا بمحْو الماضي، بل يدعونا لجعله ترياقًا للحكمة لا جرحًا يتقيّح، والله تعالى يقول: “والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة”، فما كانت الصدمة إلَّا معبرًا للوعي؛ إن أحسنا استثماره، وكانت التجربة قنطرة إلى الصبر. كما كان يوسف عليه السلام رجلًا لم تهزمه الطفولة في الجب، بل مكّنته في القصر والسجن.
الرجولة بين العقل والعاطفة:
لقد وصفت الرجل بأنه عقلاني والمرأة عاطفية، وهذا التقسيم - وإن كان له بعض الجذور في التجربة - إلَّا أن الكتاب والسنة لا يجعلان المشاعر عيبًا، ولا العقل حكرًا، بل قال تعالى: “وخلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، فالعاطفة مكون من السكينة، وهي قيمة قرآنية نبيلة لا انفعال مذموم. والرجولة في الإسلام ليست في كبت الشعور، بل في تهذيبه وتزكيته، كما جاء في قوله تعالى: “قد أفلح من زكاها”.
الرجولة في سياق الأمة لا الفرد:
نعم، لقد أصبت إذ وصفت الرجل بأنه كائن اجتماعي، يبذل ويخطط ويعلّم ويصلح؛ فإن الرجولة في القرآن لا تُفهم إلَّا في سياق الأمة، كما في قوله تعالى: “من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، فالرجال الصادقون تجاوزوا الذوات وارتقوا إلى مراتب التكليف؛ فصاروا أعمدةً لغيرهم، لا عالةً عليهم.
الكرامة والشرع في ميزان الرجولة:
وأما قولك: “الرجل حقًا من يقول نعم أو لا في موضعها”، فهو صورة دقيقة للرشد، فالرجل يتزن قوله بين جلال الشرع ووقار المروءة، فلا يذلّ، ولا يطغى، بل يحفظ نفسه في مقامات العدل، ولا يرضى الهوان، ولا يُستدرج إلى الصلف، فهو في كل ذلك حارسٌ لحدود الله، متأدبٌ مع خلقه.
✨ يا أبا عبد الملك، لو شاء القلم أن يفرد لكل سمة من سمات الرجولة بابًا؛ لجاء الكتاب موسوعةً لا تكفيها المجلدات، ولكنك بهذا الخطاب الموجز؛ قد غرست النواة، وسقيتها من ماء الفكر الصادق، والمرجعية الإسلامية المتينة، فبارك الله في قلمٍ يذود عن الفضيلة، ويدعو إليها بأدبٍ وفكرٍ وخلق.

عدنان السقاف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق