الأربعاء، 7 فبراير 2018

وإن تعجب فعجب ٦

(وإن تعجب فعجب ٦)

المعلم صانع المستقبل، وباني الحضارات، ومربي الأجيال، وبسواعده وجهده وفكره؛ ينهض الوطن ويزدهر، ويخسأ الباطل ويندحر؛ فوجب العناية به غاية العناية، ومعرفة قدره، وحفظ حقه ومكانته، وتوعية المجتمع - عبر مختلف الوسائل - بعظم أعباء ما يتحمله من المسؤولية الملقاة على عاتقه.
وإنه لا قيام لحضارة، ولا نهضة لوطن، ولا مستقبل لجيل أي أمة كانت؛ إذا أهمل المعلم والتعليم؛ فإن إهمالهما إضاعة للمستقبل المنشود؛ لأن الحياة بدون العلم؛ إنما هي أوهام وسراب وأحلام، وعيش في ظلام، فالعلم نور يبدد حالك الظلمات، كما أن الجهل ظلام يقطع خيوط النور المتسللة للحياة عبر تلك النافذة، أعني نافذة العلم على الحياة.
إن المعلم يحمل أعظم وأسمى وأشرف رسالة، ومهنة التعليم من أشرف المهن؛ كيف لا؟! وسادات البشر - وفي مقدمتهم رسولنا الكريم عليه أفضل صلاة وأتم تسليم - وظيفتهم الأساسية إنما هي عندما بعثوا معلمين للناس، مربين لهم على الفضائل والإحسان والمعروف، مرشدين لهم، مبشرين ومنذرين، آخذين بأيديهم إلى النور، مخرجين لهم من ظلمات الجهل والغي والبغي والظلم والباطل.
المعلم لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن للعقل البشري تصور ذلك؛ حيث إن برسالته السامية؛ ينبض شريان الحياة في المجتمع الإنساني، المتطلع لمستقبل زاهر، وغد مشرق، ويوم جديد، حافل بالإنجاز؛ بل والإعجاز.
ومع كل ما للمعلم من خصائص ومهام، وما يتضلع به من مسؤوليات هامة كبرى؛ فعلى يديه تتخرج الأجيال الواعدة؛ إلا أنك تعجب - كل العجب - عندما تعلم أن المعلم - في أغلب الدول الإسلامية - مسحوبة منه كثيرا من صلاحياته التي كانت منوطة به، والتي كان النظام يكفلها له؛ فلذلك - وغيره - رأينا كيف أن دور المعلم أصبح يتراجع أو يتناقص تدريجيا؛ لأنه غيب أثره بفعل سحب تلك الصلاحيات المخولة له سابقا؛ فسقطت هيبة أكثر المعلمين، أو كادت، وهذا من المكر الكبار - الذي هو مكر الليل والنهار - بأمتنا الإسلامية المجيدة؛ فهم يعلمون ما للمعلم من تأثير بالغ وشديد إذا ما قدر وحفظ له دوره في المجتمع؛ فلذلك يحاولون إسقاط هيبته، وإلغاء دوره أو إضعافه؛ لأنه بضياع المعلم؛ يضيع التعليم بداهة، وبضياع المعلم والتعليم؛ تضيع الأجيال المسلمة إلى الأبد، وعند ذلك؛ فقل على أمة الإسلام السلام، ومرحبا بالغزاة والمحتلين!!!
وكان النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية يتخرج على يديه أفواج من المتعلمين الذين أصبحوا فيما بعد معلمين أكفاء؛ يتخرج على أيديهم طلاب نجباء.
وكان في أول ما أنشئت المعاهد العلمية ثم حولت إلى جامعات؛ لم يكن هناك مخرجات أوكوادر أو مؤهلات علمية وطنية؛ فاستقطبوا من الخارج - من الشام ومصر، وغيرهما -، إلى أن ضعف التعليم، وتلاشت هيبة المعلم؛ لأسباب كثيرة، من أهمها:
أنظمة وزارة التعليم نفسها؛ حيث جرأت الطلاب على المعلمين وبصورة غير مباشرة - عندما تسن القوانين بمنع الضرب على أي صفة كان -، وما تبثه وسائل الإعلام المختلفة - حتى الرسمية منها - من استنقاص لدور المعلم وواجبه الديني والوطني؛ عندما تصور المعلم - في صورة مبتذلة مهينة - بأنه سريع الغضب، وغير متزن ولا منضبط، فهو انفعالي، غضوب، متجهم، وأيضا عندما يسخرون بطريقة شرحه ولغته...الخ
ولا نغفل جانب الأسرة؛ فهي البيت الأول، واللبنة الأولى في بنية المجتمع وتركيبه، وهي النواة لصلاح أو فساد المجتمع؛ فبها يمكن أن نخرج أجيالا تقود الأمة إلى النصر والعز والتمكين، أو إلى الضعف والتخلف والجهل والفقر والمرض والذل المهين!
وبإزاء ذلك؛ خرجت أفواج من الطلبة ضعيفة تحصيليا...
وإن تعجب فعجب:
يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية لا يحسن القراءة ولا الكتابة، ولا يقيم قراءة القرءان الكريم إقامة سليمة من اللحن الجلي فضلا عن اللحن الخفي!
ولا يستطيع التعبير عن شعوره، ولا كتابة تقرير أو خطاب أو مقال!
لا يملك أدوات العلم البسيطة!
وإن تعجب فعجب:
وأصبح كل من لا يصلح للتعليم؛ يتوجه للكليات أو أقسام الدراسات الإسلامية؛ لسهولة الدراسة فيها، فيتخرج بمعدلات مرتفعة، وتقادير ممتازة، ثم يكون معلما وهو لا يعرف أبجديات العلم، وأسسه، ومداخله!
وبفضل من الله وتوفيق منه - جل وعلا - أنشئ على إثر ذلك (المركز الوطني للقياس والتقويم)؛ ليصفي الصالح للتعليم من غيره؛ وفق معايير محددة معلومة ودقيقة، فهناك اختبارات (قياس- قياس المعلمين- قدرات الجامعيين- القدرات العامة) وحدد لدرجة النجاح فيها ٥٥، ثم خفضت إلى ٥٠!!!
التعليم يصرف عليه مليارات، وهو من أوائل المؤسسات الأكثر صرفا عليه من الدولة؛ فوجب الاهتمام به فوق ما ينبغي، والاستثمار في هذه الطاقات البشرية، واختيار الأكفأ والأصلح - بدون مجاملات ولا واسطات أو رشاوي أو غير ذلك -.
ولماذا يشدد في قبول الطالب في الطب أو الهندسة أو العلوم الطبيعية الأخرى ما لا يشدد في الأقسام الشرعية؟!
ألأن الأقسام العلمية فوق الأقسام الشرعية أو أرقى منها؟ أم ماذا؟ تلك حقيقة لم أجد لها جوابا!
على الأقل لا يقبل من لا يحسن القراءة ولا الكتابة، أو يطلب منه القراءة والكتابة على مستوى يناسب مرحلته المتقدم عليها أو إليها، أما أن يترك قبوله هكذا؛ لأن تقديره يسمح بذلك؛ فهذا ليس بقياس صحيح وحده؛ بل لا بد من إثبات صدقه.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

حرره/
أبو عبدالملك، عبدالرحمن بن مشعل المطرفي.
الأحد ١٤٣٩/٥/١٨.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق