الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

قيد الخاطر- (النار التي تأكل نفسها)



قيد الخاطر- (النار التي تأكل نفسها)

كنا في مجلس والنار قد زاد لهيبها، وشع ضوؤها، وارتفع دخانها، فصورت ذاك المنظر، وأرسلته لبعض الأشخاص والمجموعات، وطرحت هذا السؤال: ماذا تقول في وصف هذه النار؟
فكتب أ. وليد الحداد ما يلي:

النار التي تأكل نفسها

النارُ ليست مجرّد لهبٍ يتراقص في العيون، بل هي كائنٌ يتقن التناقض. مظهرها مهيب، وشعلتها لهيب يجرح البصر قبل أن يدفئ الجسد. تظنها تشبع إذا التهمت، لكنها في الحقيقة لا تعرف سوى الجوع، فكلما ازدادت وقودًا ازدادت عطشًا.

من عجائبها أنّها تأكل ذاتها، كأنها لا تدرك أنّ الفناء يسكن أحشاءها. فهي ولود بالموت، تولد من شرارة صغيرة تكاد العين تهملها، ثم تكبر حتى تصير طوفانًا من ضوءٍ يحجب السماء. الغريب أنّها تشبه الثلج أحيانًا؛ برودتها في الغضب أشد قسوة من دفئها في الشتاء، وصمتها إذا خمدت أكثر ضجيجًا من زئيرها في العلو.

النارُ امرأة متناقضة؛ تفتنك بجمالها وهي تلتهم كل ما حولها، وتدهشك بهشاشتها حين تنطفئ فجأة أمام هبة ريح عابرة. إنّها عظمة القوة وضعفها في جسدٍ واحد، تحيا لتفني، وتفني لتبقى في الذاكرة.

النار سرّ الوجود المتناقض: شرارة تولّد حياة، ولهيب يزرع موتًا، وصورة لا تستقر بين الجلال والرعب.

بقلم/
عبدالرحمن بن مشعل بن حضيض العوفي. 
طبرجل- الخميس- ١٤٤٧/٣/١٩.
Abdurrahmanalaufi@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق