الأحد، 7 أكتوبر 2018

أهم عشرة شروح لألفية ابن مالك

(أهم عشرة شروح لألفية ابن مالك؛ ليوسف بن عمر)

تعد ألفية ابن مالك (672هـ) في علم النحو من أكثر الكتب المؤلفة في تاريخ الإسلام عناية واهتماماً من العلماء، وأصبح حفظها ودراستها من التقاليد العلمية المعتادة التي تجاوزت اعتناء المتخصصين في النحو إلى غيرهم، بل ربما وجدت في سير القضاة والولاة والفقهاء من حفظها أو درسها، ما يدل على رسوخها في التكوين الثقافي لرجال العلم والأدب، حتى تفاخر العلماء بحفظها وشرحها حتى يومنا هذا، وكانت الألفية من أوائل الكتب المطبوعة إبان ظهور الطباعة، وقد سميت بـ”ألفية” نسبة إلى عدد أبياتها التي بلغت (1002) ألف بيت وبيتين، جدير بالذكر أن لها اسماً آخر وهو “الخلاصة” إذ هي تمثل خلاصة منظومة أكبر منها ألفها ابن مالك باسم (الكافية الشافية) في (2757) بيتا، وفيما يلي عرض سريع لأهم الشروح والأعمال التراثية التي قامت بخدمة هذه الألفية.

شرح ابن الناظم:
ابن الناظم هو محمد بن محمد بن مالك، ابن ناظم الألفية، المتوفى سنة (686هـ) عرف بـ “ابن الناظم” تمييزاً له عن والده.
ويعرف أيضاً بـ (ابن المصنف) ويعد شرحه من أهم شروح الألفية، قال عنه الصفدي: “شرح فاضل منقح ولم تشرح الألفية بأحسن منه ولا أسدّ ولا أجزل من هذا الشرح على كثرة شروحها” ويتسم بالعبارة الدقيقة المكثفة المعاني، حتى قال عنه الذهبي: “كتاب في غاية الإغلاق، ويقال: إنه نظير الرضي في شرح الكافية” .
إن من أهم أسباب شهرة هذا الشرح كونه سبق الشروح الأخرى في خدمة الألفية وفي مخالفة والده في بعض المواضع، وهو شرح تعليمي بالدرجة الأولى، ويعد شرحاً وجيزاً بشكل عام، يقتصر على شرح البيت أو البيتين فاصلاً بين الأبيات والشرح، ويذكر الآراء الأخرى بشكل موجز، وربما زاد بعض المقدمات التوضيحية كالتوطئة في بداية الباب ثم يشرع في شرح البيت المقصود، لكنه طول في بعض المواضع، كباب (الاستثناء) واختصر في مواضع كباب (المفعول به).

يمكننا القول بأنه امتاز بما يلي:
أنه كان مرتكزاً لسائر الشروح بعده.أنه من مواضع النقد على الألفية.أنه استخدم أسلوب السؤال والجواب في الشرح، نحو: “فإن قلت كذا… قلتُ كذا وكذا”اهتمامه بالتعريفات الاصطلاحية في بداية الأبواب.
يناسب المبتدئ في دراسة الألفية، وكان من أكثر الكتب إقراءً وتدريساً إلى جانب شرح ابن عقيل، وتوضيح ابن هشام.

شرح أبي حيان المسمى (منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك):
هو محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي، المتوفى سنة (745هـ). ويعد شرح أبي حيان شرحاً نقدياً، يقول إنه ما حمله على تصنيفه: ” إلا النصيحة في الدين وإيصال الخير لقلوب المهتدين” فهو يكثر إيراد أوجه النقد والاعتراض على الأبيات لأدنى مناسبة.

يمكن أن نقول إنه امتاز بما يلي:

النفس النقدي للشرح.نقله عن كتب لم تصل إلينا، ككتاب الواضح للأنباري، وكتب النحاة المتقدمين، وبعض كتب نحاة الأندلس، وأحصى بعض الباحثين أنه ذكر في شرحه هذا نحو 85 كتاباً.غزارة الشواهد الشعرية بالنسبة إلى حجمه، فقد عد بعض الباحثين شواهده حتى أوصلها إلى أكثر من ألف شاهد.عنايته بإظهار المادة النظرية من أصول النحو أثناء شرحه، واتضح ذلك من بداية الشرح؛ لأنه يرى أن ابن مالك ” ترك ما عليه العمل من مذاهب الجمهور، مُقتـفيًا في ذلك مقالة كوفي ضعيف الأَقوال، أو بصريٍّ لم يُنسج له لشذوذه على منوالٍ، وبانيا قَواعد على نادر في المنقول، شاذ في القياس، خارج عن الأُصول، وأثر لم يصح أنه مِن لَفظ الرسول، فيصح الاحتجَاج به في النقول”.ظهور نظرية العامل في شرحه .
ويؤخذ على أبي حيان تحامله على ابن مالك في بعض الأحيان، وعدم اللياقة في الإشارة إلى ابن مالك بقوله “هذا الناظم”، ولم يستعمله غيره.
ولا يناسب المبتدئ في دراسة الألفية، بل يصلح أن يقرأ ثانياً ليتمكن من الموازنة بينه وبين شرح تعليمي كشرح ابن عقيل مثلا.

شرح المرادي المسمى (توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك):
المرادي: هو الحسن بن قاسم المغربي، المعروف بـ”ابن أم قاسم” المتوفى سنة (749هـ)
وشرحُهُ شرح موسوعي، مكثر من ذكر الخلاف النحوي والمسائل النادرة والقراءات، واعتمد على ابن مالك كثيراً في الكافية وشرحها والتسهيل، وإن كان يستدرك عليه في بعض المواضع، وأسلوبه في ذلك مدرسة تربوية حيث يورد الاعتراض ثم يدفعه ويجيب عنه ويعتذر لابن مالك فيه ويتأول، واهتم بالشواهد النحوية إلا أنه مقل في الشواهد الحديثية حتى أحصاها بعض الباحثين فبلغت ثلاثة عشر حديثاً فقط، كما اهتم بلهجات العرب، وممن أكثر النقل عن المرادي: المكودي في شرحه، وابن غازي في شرحه الإتحاف، وخالد الأزهري في التصريح، والصبان في حاشيته على شرح الأشموني، والخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل.

يمتاز شرحه بما يلي:
أنه يورد أوجه النقد على ابن مالك ويجيب عنها، سواء ما وجهه شيخه أبو حيان أو ابن الناظم، ويسميه المرادي دائماً “الشارح”.تتبع كلام ابن مالك في كتبه الأخرى موازناً بينها وبين الألفية.توسعه في ذكر الخلاف النحوي واهتمامه بعزو الآراء والأقوال وتلخيصها ليسهل ضبطها.عنايته بالشواهد الشعرية حتى جعله العيني أحد مصادره في كتابه “المقاصد النحوية”.اهتمامه بلهجات العرب وذكر القبائل.اهتمامه بالتنبيهات التي تنوعت مقاصده فيها، وكان أغلبها مما يزيده على ابن مالك، أو يوازن بين ما في الألفية وما في الكتب الأخرى، أو يعزو الرأي الذي اختاره ابن مالك في النظم إلى من سبقه من النحاة، إلى غير ذلك من الأغراض.
ولا يناسب المبتدئ في دراسة الألفية ولا من شرع في حفظها، بل يصلح أن يقرأ ثانياً أو لمن أراد تعميق ما تعلمه في الشروح المختصرة كشرح ابن عقيل.

شرح البرهان ابن القيم المسمى (إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك):
هو برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن قيم الجوزية، المتوفى سنة (767هـ )ابن الإمام المشهور شمس الدين ابن القيم صاحب زاد المعاد وغيرها من التصانيف.
يعد شرحه تعليمياً، يبدأ قبل شرح الأبيات بتوطئة يذكر فيها التعريفات الاصطلاحية الأساسية في ذلك الباب ، ويبين محترزاته أو قيوده، وكذلك اشتقاقه، أو سبب تسميته بذلك الاسم ، ونحو ذلك ، مما تدعو الحاجة إلى معرفته.
وتأثر بابن هشام إلا أن العناية به قليلة بين أهل العلم.
ويناسب المبتدئ في دراسة الألفية على سبيل المطالعة أكثر من أن يدرس كشرح ابن الناظم أو ابن عقيل مثلا، لعدم توافر الخدمة عليه.

شرح ابن عقيل:

ابن عقيل: هو عبدالله بن عبدالرحمن المصري، المتوفى سنة (769هـ )
يعد شرحه شرحاً تعليمياً وجيزاً بالدرجة الأولى، لا يتعرض للنقد أو الخلاف النحوي، بل يركز على توضيح المسائل التي تطرق لها الناظم، ويقررها بالأمثلة دون زيادة، فهو يبحث مسائل الألفية ومطالبها بشكل وجيز، لكن لا يحل المتن كما صنع السيوطي، وإنما امتاز عليه السيوطي لكونه شرحاً مزجياً كما سيأتي.

فهو يمتاز بما يلي:
أنه من أسهل شروح الألفية وأكثرها انتشاراً وأوفرها خدمة علمية.يهتم بتقرير المسائل.أنه الشرح المعتمد في تدريس الألفية في أغلب أقطار العالم الإسلامي.
ويناسب الدارس المبتدئ للألفية أولاً على المشايخ، ثم الحافظ لها ثانياً.

شرح الشاطبي المسمى (المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية):
الشاطبي هو إبراهيم بن موسى اللخمي، المتوفى سنة (790هـ ) أوسع شروح الألفية مطلقاً.
قال التنبكتي عن شرحه: “لم يؤلف عليها مثله بحثا وتحقيقا فيما أعلم” .
وهو شرح موسوعي طويل النفس في تحقيق المسائل وتدقيقها، وهو بهذا ينفرد عن سائر الشروح هنا بهذه الميزة، على طريقة مطولات علم أصول الفقه في بحث المسائل وتحقيقها، ولا غرو في ذلك، إذ الشاطبي من أبرز علماء الأصول، يقول الشاطبي: ” وقد سلكت فيه مسلك شيوخي ـرضي الله عنهم ـ في البحث وتحقيق المسائل , والتأنيس بالتنظير والتنقير عن دفائن اللفظ، وبتتبعه بقدر الإمكان، والاعتراض وإيراد الإشكال، والاعتذار عن اللفظ المشروح على حسب ما أعطاه الوقت والحال، وأوجبه تحسين الظن بالمؤلف، وعدم الوقوف وراء اللفظ تقليدا دون أن يتحرر معنى الكلام أو يظهر وجهه، والاحتجاج لمذهب المؤلف وترجيحه لما أمكن له وجه ترجيح، وتنشيط القارئ في بعض المواطن بالحكايات عن أهل العلم في المسائل المتكلم فيها”
أنه شرح موسوعي تحقيقي إبداعي أصيل.يهتم بإعراب الأبيات.تنويعه في أسلوب العرض بين أسلوب التعليل، وأسلوب السؤال والجواب.اهتمامه بالتقسيم لضبط المعلومات.ظهور التعليل للأحكام النحوية بشكل أكبر.
ولا يناسب المبتدئ في دراسة الألفية بحال، بل يصلح أن يقرأ بعد ضبط شرح تعليمي من شروح الألفية ليتمكن من الفهم والضبط، وهو أقرب ما يكون للمتخصصين في النحو، ويناسب المتخصصين في أصول الفقه، لشبه أسلوب الشاطبي في هذا الشرح بأسلوب مطولاتهم.

شرح المكودي:
المكّودي هو عبدالرحمن بن علي بن صالح، المتوفى سنة (807 هـ )نسب إلى قبيلة مكّود قرب مدينة فاس بالمغرب.
يوجز مضمون المتن ويعرب الأبيات باختصار، ويكاد يعول المكودي على شرح ابن الناظم والمرادي من شروح الألفية، وهو أول من شرحها بفاس، بالإضافة إلى ما عرف عنه من إقراء وتدريس كتاب سيبويه.
وله على ألفية ابن مالك شرحان كبير وصغير، فالكبير أحرقه بعض حساده قبل وصوله إلى القاهرة، والمتداول بين أيدينا اليوم هو الشرح الصغير، يعد شرحاً تعليمياً وجيزاً، صنفه للمبتدئين، يعتني بتقرير معاني أبيات الألفية وفك عباراتها ولا يهتم بنقدها، وهو يصلح لمن يريد حفظ الألفية أكثر.

امتاز شرحه بما يلي:
إعرابه لمعظم الأبيات بشكل موجز.كونه مختصراً.لا يذكر بالشواهد إلا نادراً.لا يذكر بالمذاهب النحوية إلا نادراً.
يناسب المبتدئ في حفظ الألفية ودراستها.

شرح السيوطي المسمى (النهجة / البهجة المرضية في شرح الألفية):

السيوطي هو عبدالرحمن بن محمد الخضيري، المتوفى سنة (911هـ ) يتم بحل المتن وإبراز مضمراته.
وهو شرح تعليمي وجيز، قيل إنه ألفه السيوطي في شبابه، وحظي بالعناية والدرس في بعض الجهات لاسيما في العراق وإيران، وأسلوبه في الشرح مزجي، أي أنه لا يميز بين شرحه وبين النظم كما يفعل الشراح الآخرين، بل يمزجه بالنظم حتى يكون كأنه كتاب واحد، وهو كتاب مكثف المعاني.

وامتاز بما يلي:
أنه شرح مزجي.أنه مختصر.أنه شرح تعليمي.
يناسب المبتدئ في حفظ الألفية، ويناسب الدرس كما ذكرنا.

شرح الأشموني المسمى (منهج السالك إلىألفية ابن مالك):
الأشموني هو علي بن محمد بن عيسى القاهري، المتوفى سنة (918هـ )
هو أغزر شروح الألفية بعد شرح الشاطبي، وامتاز بحسن ترتيبه وأكثر النقل عن المرادي حتى ادعى بعض الباحثين أنه المصدر الوحيد للأشموني، إلا أنه زاد عليه فوائد.
وامتاز بأنه:
خلاصة شروح الألفية قبله، لكن على حساب الإبداع الذاتي الذي عند من سبقه.وفرة النقول والآراء النحوية بحيث عد خزانة نحوية.ذكره للتنبيهات تبعاً للمرادي في شرحه.
لا يناسب المبتدئ في دراسة الألفية على الشيوخ، ولكنه يناسب الدراسة الذاتية أو تعميق ما درس على الشيوخ.

شرح ابن هشام (أوضح المسالك / توضيح الخلاصة) :
ابن هشام هو عبدالله بن يوسف الأنصاري، المتوفى سنة (761هـ)
لا يهتم ابن هشام بحل المتن أو شرح لفظ فيه، بل اختط لنفسه خطاً مختلفاً عن سائر شراح الألفية، حتى عُد عمله (نثراً للألفية مع زيادات) أكثر من كونه شرحاً يعتمد على حل المتن، ومما يؤيد ذلك أنه سماه (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) فلم يقل إنه شرح، بل ولا يذكر المتن في كتابه أصلاً.
وطريقته أنه يقرر مسائل الألفية غالباً على نحو ترتيب ابن مالك وأسماء أبوابه في الغالب، وإن كان قد خالفه في مواضع، ثم يزيد أمثلة ومسائل حتى صار كأنه متن مطول مستقل بذاته، وغرضه من ذلك إعادة إنتاج الألفية بطريقة أخرى وهي النثر والزيادة بدلا من النظم والشرح المعقود عليه، وقد حاول الاختصار إلا أنه في بعض المواضع لا يكاد يبين قصده إلا بشرح عليه، لما شاب عبارته من الغموض والإلغاز، وهذا ما حفز خالد الأزهري رحمه إلى شرحه في (التصريح).
جدير بالذكر أن ابن هشام سمى الكتاب (توضيح الخلاصة) وذلك في كتابه الآخر تلخيص الشواهد, كما أنه يعرف في كتب التراجم بـ(التوضيح)، بحيث إذا أطلق كان هو المقصود.
ويمتاز بما يلي:
أنه عظمت العناية به وبإقرائه في الماضي كما يتضح من كتاب السخاوي الضوء اللامع، إذ كان كتابه محل عناية إلى جانب شرح ابن عقيل وشرح ابن الناظم.عبارته محررة دقيقة مكثفة المعاني.غزارة الشواهد.تلخيص الخلاف النحوي.
يصلح ككتاب ثانٍ بعد دراسة شرح على الألفية، أو يدرس على المشايخ، وهو يناسب أن يكرر مراراً، وهذا ما يتضح من أخبار العلماء في كتب التراجم.
وعلى أية حال فقد نقل بعض المؤرخين أن ابن هشام كرر الألفية 1000 مرة، وأنه أقرأها غيره 1000 مرة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق